رواية لروحك عطر لا ينسى الفصل السادس
كان عمر في طريق عودته للفيلا، كان يتجاهل رنين هاتفه فهو يعلم هوية المُتصل، فمن غير رضوى!
سلك الشارع الذي توجد فيها الفيلا، اضاق عينيه حين لمح شخص يقف خارج الفيلا بجوار البوابة وحين قلت المسافة ادرك انها رضوى، تأفف بإنزعاج، ألن تتركه!؛ اوقف السيارة جانباً وترجل فتقدمت منه وهي تتذمر
- مبتردش عليا لية؟
توقف امامها ونظراته كالجليد لها، قال ببرود
- لاني ببساطة مش عايز ارد، ومش عايز ضغط منك، لوسمحتِ.
احمر وجهها بغضب وهي تختف بإنفعال اثر عدم استيعابها لموقفه
- انت بجد عمر؟ عمر اللي كان بيبعتلي رسايل كتير ويقول ارجع؟ هو دة انت؟
اجابها بهدوء استفزها، هدوء لا يتماشى مع الوضع الذي هما فيه
- لا، عمر اللي كان بيبعتلك رسايل كان لسة معمي بحُبِك اما عمر اللي واقف قدامك دلوقتي فاق وفتح عينه، وقلبه دق لواحدة تانية
اتسعت مقلتيها بصدمة، هزت رأسها برفض وهي تكرر ما قاله بسخرية مصدومة.
- نعم! دق لواحدة تانية!
اضاقت عينيها وهي تتقدم خطوة منه اثناء تخمينها لواحدة فقط خطرت على بالها
- ميرنا؟
وضع كفيه في جيوب بنطاله وهو يخبرها
- واحدة متعرفهاش
اخفضت رأسها وهي تفكر بجنون، لقد تم أخذ مكانها بهذه السهولة؟، عادت لترفع رأسها لكن بخشونة كقولها
- هنسيهالك، هخليك ترجعلي
حدق في عينيها للحظات قبل ان يسألها
- قوليلي السبب الحقيقي في رجوعك
اجابته بتلقائية وثقة
- انت، عشان بحبك
رفع زاوية فمه وهو يُعدِل إجابتها بوضوح.
- بتحبيني ولا بتحبي محفظتي؟
رفعت حاجبيها وهي تستنكر سؤاله
- اية السؤال دة؟ بعقلك تسألني سؤال زي دة؟
- طبعاً بعقلي، قولتلك فوقت من غبائي
كان قوله حاد، عينيه قاسية، حين يتذكر ضعفه امامها يُجن، كيف كان بذلك الغباء؟
حاولت رضوى التحكم في إنفعالاتها قليلاً، قالت وهي ترفع رأسها بثقة وتفاخر
- اكيد اللي عجبتك نسخة مني
ابتسم بثقة تفوقها وقول سحقها.
- بالعكس، عجبتني عشان مختلفة عنك ١٨٠درجة، هو انا هقع في نفس الغلطة مرتين؟
اشارت على نفسها بإصبعها بألم وهي تسأله بحزن
- انا غلطة يا عمر؟
لم يعد يتأثر بها بأي شكل، يا سبحان من يغير القلوب، أكد لها بقسوة
- اكبر غلطة في حياتي
احتدت نظراتها واشتعلت بغضب بجانب دموعها التي لمعت بهما، تمتمت بتوعد
- هخليها غلطة بحق.
انهت رضوى قولها لتقترب منه بعدها، لفت ذراعها حول رقبته بإحكام وطبقت شفتيها على خاصته بوقاحة ودون خجل!
صُدِم عمر من تصرفها الغير اخلاقي، حتى انه لم يُدرك الامر إلا بعد لحظات ودفعها بقوة عنه حتى كادت تسقط، مسح شفتيه بظهر كفه بتقزز، رمقها بإزدراء كقوله
- من امتى وانتِ رخيصة كدة؟
ثم تخطاها مُصطدماً بكتفها تاركاً اياها خلفه، زاد نفوره منها بعد فعلتها، عاد ليصعد سيارته وينطلق بها بعيداً.
بينما فرت دمعة من بين جفنها بقهر، لقد انتهى أمرهما، تتأكد من هذا الان.
- امتى هتيجي تتقدم لبنتي؟
- نعم!
هتف بها إياد بذهول، ماذا يقول هذا الرجل الكبير؟، بينما اكمل والدها
- ولا هتفضل ماشي معاها من ورايا؟
اتسعت مقلتي إياد قليلاً وهو يُسرع ليصحح حُكم والدها الخاطيء
- شكل حضرتك فاهم الدنيا غلط، انا وبنت حضرتك...
قاطعه بحزم
- مش عايز توضيح، عايز رد
زمجرت ملك بحرج شديد
- بابا
- اسكتي انتِ.
صرخ بها والدها وهو يحذرها بنظراته، ثم اكمل حديثه بهدوء مع إياد الذي يحاول ان يسعف نفسه ويخرج من هذا الموقف الغريب الذي وقع فيه.
- بنتي متربية وأول مرة اشوفها واقفة مع راجل بأي صفة كانت، ومدام شوفتها بتكلمك يبقى في حاجة اكيد
تسرع إياد في الحُكم على والدها، فصارحه بإعترافه
- انا فعلا مُعجب ببنت حضرتك..
لم يسمح له والدها بإكمال جملته فقد قاطعه مُقترحاً، وكأنه كان ينتظر ذلك الاعتراف.
- بسسس، يبقى تعال اطلب ايديها مني
ضحك إياد بداخله بذهول، هل ما استنتجه صحيح! هل يحاول والدها شبكها معه بأي طريقة؟، هل هذا مقلب؟ أهناك أي كاميرا خفية هنا؟ شك للحظة في ذلك.
تنفس بعمق قبل ان يطلب منه بتهذيب
- ممكن حضرتك تسمعني؟
وكأنه لم يتحدث، فقد نقل والد ملك نظراته للأخيرة وهو يخبرها
- بكرة تروحي تقدمي استقالتك، خلاص مفيش شعل، بيت جوزك اولى بيكِ
لم يتحمل إياد اكثر من ذلك، نهض وهو يهتف بعدم إستيعاب.
- انت بتقول اية؟
صُبت الأعين عليه ومن الضجيج الذي احدثه، فنظر له والدها من الأسفل وأخبره بمكر
- انا عارف انك غني وعارف شركة ابوك تكون اية وعارف كل حاجة عنك، وانت عريس لُقطة لبنتي وانا مش هضيعك
نقل إياد نظراته بين ملك التي لم تجرأ على رفع رأسها من إحراجها ووالدها، استقام وهو يتنفس بإنفعال..
- ممكن نخرج نتكلم برة؟
نهض والدها والابتسامة التي على شفتيه تتسع بطريقة سمجة مع قوله الخبيث.
- لا هستناك على اخر الاسبوع في البيت، نتكلم هناك احسن
ثم أمر ملك
- يلا قومي
نهضت بخضوع وسارت خلف والدها لخارج المقهى وهي تكاد ان تبكي بقهر من الموقف الذي وضعها فيه والدها.
بينما ظل إياد واقفاً وقد اصابته الصدمة مرة اخرى.
خرجت يارا من البقعة المُظلمة التي اختبأت فيها بعد ما رأته، خرجت بعد ان رأت مُغادرة سيارة عمر وعودة رضوى لأدراجها، سارت للفيلا وهي تشعر بالضيق الشديد مما رأت، حتى انها لم تستطع إكمال رؤية تلك الوقاحة لذا اختبأت.
اخذت تُحدِث نفسها بإنفعال..
- ازاي تعمل كدة؟ هي فاكرة انها في بلد اجنبية؟، وهو ازاي سمحلها تعمل كدة؟
توقفت عن السير وهي ترد على نفسها
- اكيد ضعف عشان لسة بيحبها..
عادت لتكمل سيرها وهي تفكر.
- بس رد فعله كان بيدل على عكس كدة
عبرت بوابة الفيلا وهي توبخ نفسها
- وانتِ مالك يا يارا؟ يعمل اللي يعمله، يرجعلها ولا يبعد عنها حاجة متخصكيش..
حاولت إقناع نفسها بأنها لا تهتم، واجبرت نفسها على الحياد عن التفكير به، ولم تنجح، حتى انها وجدت نفسها تخبر سهام بِما حدث!، فأنقلبت الاجواء في الفيلا خاصةً بعد ان علِم إبراهيم.
اتصل عمر ب إياد ليذهب اليه ويتحدث معه بشأن ما حدث، فهو غاضب من فعلتها، لكنه حين ذهب لشقة الاخير اكتشف ان حال صديقه لا يقل عنه سوءً، لذا أجل الحديث في موضوعه ليفهم ما حدث ل إياد الذي كان يسرد له ما حدث بإنفعال وهو يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً.
- ايوة انا فعلاً مُعجب بيها بس مش لدرجة اني اتقدملها
حاول عمر تهدأة إياد بقوله
- طب اهدى كدة وهنفكر سوا
لم يسمعه، بل اكمل بثورة.
- دة بيدبسني فيها عشان الفلوس؟، انت مُتخيل!
توقف لينظر ل عمر بهلع وهو يشاركه تفكيره المُخيف
- لو ابويا دخل في الموضوع تبقى كارثة، هيجوزهالي لو الموضوع هدد سمعته، وانا مش ضامن ابوها هيعمل اية وهيوصله اية
- على كدة قول انت ل ابوك قبل ما يوصله ابو ملك
جلس إياد وهو يتنفس بإنفعال، قال وهو يضم كفيه لبعضهما وهو يرفض إقتراح عمر
- لا لا، انا هحاول اتصرف
- ازاي؟
سأله عمر بفضول، فصرخ إياد مُجيباً اياه بضياع.
- مش عارف، مش عارفة، بس هفكر في حل، اكيد هوصل لحل اكيد
تعالى رنين هاتف عمر وكان والده، أجاب بهدوء
- ايوة يا بابا
دوى صوت والده الجهوري الغاضب
- تعال البيت حالاً، متتأخرش
- في اية؟
ابعد الهاتف عن اذنه حين اغلق والده الخط دون اي رد، فنهض وهو يشعر بالقلق، قال بتعجل وهو يتجه لباب الشقة
- نكمل كلامنا بعدين
سأله إياد وهو يعقد حاجبيه
- حصل اية؟
- لما اعرف هقولك.
في فيلا إبراهيم السويفي
كانت يارا جالسة على كُرسي في زاوية الصالون، توبخ نفسها على إندفاعها وإخبار سهام بِما حدث، كم تُريد قص لسانها المتهور هذا، فهو السبب في هذه الفوضى.
رفعت حدقتيها للباب حين سمعت قول إبراهيم الحاد
- اخيراً شرفت يا أستاذ
تابعت اقتراب عمر بحدقتين مُحرجتين، وحين تقابلت عينيها بخاصته أخفضتها سريعاً.
- في اية يا بابا؟ حصل اية؟
القت سهام بقولها المُعاتب
- احنا ربيناك على كدة يا عمر!
نقل بصره لوالدته مُتسائلاً
- لية حصل اية؟
أمره إبراهيم لكن بنبرة مُتحفظة
- تعال هنتكلم في المكتب، لوحدنا
- حاضر
لحق به عمر والشك يراوده.
دخلا المكتب وفور إغلاق عمر للباب تحدث إبراهيم بهدوء
- وصل لي كلام انك عملت تصرف غير اخلاقي بالمرة مع رضوى، ولا قدام الفيلا
ضم عمر قبضته، تمنى ألا يعلم احدهم بذلك فهو موقف مُخجل، لكنه تحدث بهدوء ووضح لوالده ما حدث، وأضاف
- وعمري ما هعمل تصرف مُعيب زي دة ولا أقبله.
هز إبراهيم رأسه بتفهم ثم قال بإستغراب وتفكير
- مصدقك بس، بس سلمى قالت عكس كدة، قالت انك انت اللي بدأت
تسارعت انفاس عمر وهو يسأل بضيق
- سلمى اللي شافتنا؟
- ايوة، وقالت ل سهام وسهام قالتلي
ثم اقترب أبراهيم من عمر وربت على كتفه وهو يُطمئنه
- متقلقش انا مصدقك، انا متأكد من تربيتي وواثق فيك.
منحه عمر إبتسامة سريعة قبل ان يستأذن، حين فتح الباب وجد سهام واقفة ويبدو من وضعها انها كانت تحاول التنصت، لم يهتم وتخطاها صاعداً لغرفته بوجه مُتجهم، بينما دخلت سهام ل إبراهيم ليخبرها بِما حدث بينه وبين عمر.
صعدت يارا خلف عمر بعد ان شعرت بغضبه حين لمحته، وقفت امام باب غرفته بتوتر وتردد شديد بين الدخول والإعتذار وبين تركه يهدأ والحديث في وقت لاحق.
لم تكن تعرف انه يقف هو أيضاً خلف الباب ويعلم انها تقف في الناحية الأخرى، كما انه مُتردد في فتحه قبل ان تطرق هي الباب وتدخل، انه مُحرج من مواجهتها وغاضب أيضاً منها لأنها أخبرت والديه لكن السبب الأساسي لغضبه هو انها رأته في وضع كهذا، وأن لديها فكرة خاطئة عنه.
اتخذ قراره، فهو يُريد ان يوضح ويصحح فكرتها الخاطئة، مد كفه ليُمسك المقبض ويبرمه بعزم فظهرت في محيط رؤياه، حدقا ببعضهما البعض بصمت ألجم لسانهما للحظة، تحرك مُتيحاً لها الطريق لتدخل فقطعت إتصال اعينهما وهي تدلف للداخل، اغلق الباب واستدار ليُبادر في قول شيء لكنها سبقته بإعتذارها
- مكنش قصدي اني أقولهم واعملك مشاكل والله، فأنا اسفة بجد
تقدم منها ليقف امامها مُباشرةً ناظراً لها من فوق، اعتذر يحرج.
- انا اللي اسف عشان شوفتي حاجة زي دي، وعايز اوضح حاجة ان مش انا اللي بدأت، واني بهدلتها على اللي ع...
قاطعته بقول مُناقض للرد الذي بداخلها
- مش لازم توضح حاجة، دي حياتك الشخصية وانت حُر فيها
شعر بالإحباط من ردها، فخرج قوله التالي دون سبب او تفكير منه
- في واحدة تانية شاغلة تفكيري وقلبي.
حزنت بعد قوله دون سبب واضح لها، تراجعت خطوة للخلف دون ان تتجرأ لترفع بصرها له، تخطته سريعا وهي تقول بسخرية جاهدت لأول مرة في إتقانها
- فاكرني اختك بجد عشان تقولي!
وغادرت صافقة الباب خلفها، دلفت لغرفتها وهي تلهث بغضب، لا تعلم ماذا اصابها! لِم حزنت؟ لماذا هي غريبة هذه الفترة؟ ستُجن.
في منزل ملك
جلست والدة ملك بجوار الاخيرة التي كانت تبكي بحرقة، قالت بشفقة
- حرام عليكِ نفسك، من اول ما جيتي وانتِ حابسة نفسك وبتعيطي كدة
رفعت ملك رأسها لتنظر لوالدتها بعينيها الحمراوتين، قالت ببكاء
- انا تعبت من بابا وتصرفاته المحرجة دي، بيحسسني اني رخيصة
امسكت والدتها بكفها بحنان وهي تخبرها بهدوء
- انتِ عارفة ان ابوكِ عايز مصلحتك، ممكن بيتصرف بطريقة غلط بس نيته مش وحشة.
استطرت وهي تمسح على شعر بنتها
- ابوكِ عايزك تعيشي حياة احسن من عيشتنا، عايزك تعيشي مرتاحة عشان انتِ شقيانة من صغرك
اعترضت ملك بقهر
- مش بالأسلوب دة، كدة بيبن للغير انه باعيني، انه طماع باصص للفلوس، كدة هو مش بيعززني يا ماما..
اعتدلت جالسة وهي تتحدث بإنفعال
- دة هدد إياد، خلى عنده فكرة غلط عني، دة حتى لو وافق على الهبل اللي بابا قاله هيبصلي ازاي؟ انا هتعامل معاه ازاي وهبصله ازاي؟
اخفضت كتفيها بإنكسار وهي تتمتم
- اهو هيجوزني من واحد غني ولو هو كويس بس شاف طريقة عرض بابا ليا هيبصلي ويعاملني برخص
وافقتها والدتها على أقوالها السابقة
- معاكِ حق في كل كلمة قولتيها وانا هتكلم مع ابوكِ
عادت لتستلقي على السرير وهي تخبر والدتها بوهن
- ملهوش لازمة الكلام معاه، لانه مش هيتغير ابداً.
صباح اليوم التالي
لم تخرج ملك من غرفتها بعد ان منعها والدها من الذهاب للعمل، لم تجادله حينها وعادت لمخبئها، أصبحت تشُك في نية والدها.
انها تسمع نداء والدتها التي تدعوها لتناول الإفطار لكنها تتجاهله، لن تتناول شيء معهم، ستقاطع والدها حتى يتوقف عن تلك التصرفات.
رفعت هاتفها أمام رؤياها، تنظر للرسالة التي كتبتها ل إياد ليلة امس.
- اسفة جدا على الحصل النهاردة واعتبره انه محصلش، انا هتعامل مع بابا وهحاول امنعه من انه يعمل اي حاجة ممكن تجبرك على عرضه، انا اسفة تاني للموقف اللي اتحطيت انت فيه بس والله العظيم مكنتش اعرف انه هيعمل كدة، اسفة بجد
لم يرد، لقد رأى رسالتها ولم يرد عليها، تتفهم موقفه، تتوقع الان انه يندم على مُقابلته لها، ربما اصبح يبغضها.
في فيلا أبراهيم السويفي
- يومين وهنطلع دهب
قول سهام سبب الذهول لكلاً من عمر و يارا اللذان هتفا في نفس الوقت
- نعم!
بينما اضافت سهام بحزم
- ومش هقبل اي حجج منكم، انا وابوكم قررنا وحجزنا والموضوع منتهي
دفع عمر الكُرسي وهو ينهض، قال بإنزعاج
- بجد بتهزروا
وغادر، بينما اخفضت يارا نظرها لطبقها دون ان تُعلِق.
فجر اليوم الثالث، في المطار
كانت يارا تسير بجوار سهام لتُساندها بينما سبقهم عمر لإنهاء الإجراءات، وكان إبراهيم يجُر الحقائب لحين عودة عمر.
لم تذهب يارا برغبتها، لقد حاولت التحجج بالكثير لكن سهام أصرت على قرارها بطريقة مُزعجة، حتى عمر لم يستطع إقناعها بإلغاء السفرية.
عاد عمر بعد فترة وجيزة وتحركا ليصعدا الطيارة، توترت يارا لعِلمها انها ستركب طيارة، لم تركبها من قبل لذا تشعر بالتوتر والخوف والحماس أيضاً.
كادت ان تجلس بجوار سهام لكن إبراهيم امرها بأن تجلس بجانب عمر.
جلست ووضعت حزام الأمان حولها وهي تنظر بتفحص حولها وأثناء ذلك كان قد اتى عمر وجلس بجوارها، منحته نظرة سريعة قبل ان تُشيح برأسها ناحية النافذة، لقد كانت تتجنبه اليومين الماضيين دون سبب واضح، وهو لم يحاول معها، وهذا زاد من ضيقها.
- هتفضلي كدة كتير؟
جذب انتباهها بسؤاله المُفاجئ، عادت لتنظر له وهي تتمتم
- مش فاهمة؟
- باين جدا انِك ماخدة جنب مني
أنكرت ذلك، وكانت كاذبة
- لا خالص، اخد جنب منك لية؟
- اسألي نفسك.
صمتت، فعلق مُغيراً مجرى الحديث
- كويس عرفتي تقفلي الحزام
- مش مسألة رياضة هو
ضحك على ردها الساخر وساد الصمت، بعد لحظات سألته يارا
- بِما انك طيار، المفروض اعمل اية لو الطيارة وقعت؟
اجابها ببساطة دون ان ينظر لها
- بِما اني طيار مش هسمح انه يحصلك حاجة، متقلقيش
ابتسمت بنزق وهي تقول بحنق
- متعملش فيها بطل دلوقتي، جاوبني على سؤالي
ثم اردفت مُحذرة اياه
- تعرف لو حصلي حاجة امي مش هتسيبك
ضحك وأومأ برأسه بصمت.
مع انطلاق الطيارة، تمسكت بذراع كرسيها بقوة واعادت ظهرها بقوة للخلف واخذت تردد الادعية والاذكار، بينما نظر لها عمر بإستمتاع، أراد ان يمسك بكفها لكنه تراجع عن تلك الفكرة، نظر للناحية الأخرى وما لبث ان عاد لينظر لها حين شعر بكفها يُمسك بكفه بقوة، سمعها وهي تتمتم بخفوت دون ان تفتح عينيها
- هستلفها ثواني وارجعهالك
ابتسم برضا وسعادة وهو يتأملها بحدقتين لامعتين.
ظُهر اليوم
في منزل ملك
خرجت ملك من غرفتها لتتجه للمرحاض، جذبها صوت والديها في الغرفة، كادت ان تُكمِل طريقها لولا سماعها لكلمة عريس بوضوح، تقدمت من غرفتها لتستمع لحديثهما بوضوح.
- يعني اتصل بيك؟، قال انه جاي النهاردة؟
- ايوة، روحي قولي ل بنتك بقى ان العريس جاي يتقدملها زي ما اتفقنا.
اتسعت مقلتي ملك بعد رد والدها، استنتجت سريعاً ان الحديث عن إياد، هل وافق حقاً؟ ماذا فعل والدها حتى يوافق؟، اقتحمت الغرفة وقد انفجرت اسألتها على والديها
- مين دة؟ مين اللي وافق؟ إياد؟
- ايوة هو، فأجهزي
تقدمت من والدها وهي تسأله بشك
- لية؟ لية وافق؟ وصلت لأبوه؟ هددته؟
اجابها والدها بصدق
- معملتش حاجة، لقيته بيتصل بيا إمبارح وبيقولي انه هيجي النهاردة، حتى مش عارف جاب رقمي منين.
اخذ صدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها الذي سببه كبتها لغضبها الذي يشتعل بداخلها، رمقت والدها بشك، لا تُصدق ما يقوله، طلبت منه وهي تضم قبضتها
- عايزة موبايلي لوسمحت
لقد اخذ هاتفها منها منذ يومين، قال وهو يجلس على طرف السرير
- هدهولِك بليل، بعد ما توافقي على عريسك
انه يُصِر على فقدانها لأعصابها، وستمنحه هذه الفرصة بسهولة هذه المرة، حيث صرخت بثورة
- مش هوافق على حد، سامعني، مش هوافق، مش هتجبرني.
اسرعت والدتها لتمسكها وتُخرجها، فهتفت قبل ان تخرج تماماً من الغرفة
- انت بتعمل كدة عشان مصلحتك مش مصلحتي
توقفت حين رد عليها بصراحة
- عشان مصلحتنا احنا الاتنين، بس نسبة مصلحتك اكبر من مصلحتي
عادت والدتها لتسحبها من جديد وتذهب بها لغرفتها، فدخلت ملك غرفتها وأغلقتها قبل ان تدخل والدتها اليها.
وصلا للشالية المحجوز لهم، كان يطل على البحر مُباشرةً، وكم سعدت يارا بذلك لذا سبقتهم للبحر بينما أصعد عمر الحقائب للغرف، وساند إبراهيم سهام حتى وصلت لغرفتها لترتاح.
كانت واقفة على الرمال تشاهد البحر وتقلباته بإستمتاع، مع نسيمه البارد رغم حضور أشعة الشمس، مرت فترة وجيزة دون ان تتجرأ على الاقتراب من الماء، كانت تكتفي بتلامس الماء لقدمها فقط.
- لية واقفة مكانك؟ ولا بتخافي؟
سمعت قول عمر من خلفها، استدارت له وقالت بعناد
- طبعاً لا، اخاف اية انت كمان
خلع سترته وهو يتقدم منها فعادت لتلويه ظهرها دون ان تتوقع ما سيفعله بها.
تسارعت خطواته حتى وصل لها وحملها في لحظة بين ذراعيه فصرخت بذعر وزاد صراخها حين اتجه بها للمياة.
- لا لا، بخااااف، لاااا.
انقطع صوتها حين القاها في البحر، اخذت تضرب الماء بذراعيها لتخرج، لا تستطيع الخروج، انها تختنق هنا في الماء، صوت ضحكاته واضحة بالنسبة لها، توعدت له إذ خرجت حية ستقتله على فعلته.
مد ذراعه والتقطها بسهولة من خصرها ليُخرج نصف جسدها من الماء، فتمسكت به بلهفة، بزقت الماء واخذت تلهث وهي تمسح وجهها بكفها المُرتجف، فتحت عينيها وحين قابلت وجهه صرخت به
- كنت هموت، كنت هموت يا حقير
ازدادت ضحكاته وهو يستخف بها.
- دة احنا على اول البحر، اومال لو كنت رميتك في العميق كان هيحصل اية؟
ضربته بقبضتها الأخرى وهي تقول بقهر
- بتضحك يا حقير! بتضحك!
رفع حاجبيه وهو يقول بعبث
- مش قولتِ مش بتخافي؟
لفت ذراعيها بإحكام حول رقبته وهي تعترف بخوف
- لا بخاف، بخاف اوي كمان
ثم طلبت منه برجاء
- خرجني لوسمحت، بسرعة
نظر لحدقتيها وقال بإستمتاع مُغيظاً اياها
- قوليلي لوسمحت يا سيد عمر
زمجرت وهي تضرب الماء بقدميها
- عمررر
قال بإصرار
- قولي وهخرجك.
عضت على شفتيها بحنق قبل ان تفرقهما وتقول بنزق
- خرجني يا سيد عمر، لوسمحت
إبتسم برضا وهو يتمتم
- كان لازم اصورك فيديو
تهكم وهو يخرج بها من البحر
- شكلك ناوية تموتيني مخنوق
خففت إحكام ذراعيها قليلاً وهي تهمس
- هعملها بس استنى اخرج من هنا
سمعها بوضوح فضحك بإستمتاع.
فور وصوله للشط كان قد القاها بعيداً عنه و فر هارباً منها، فضحكت رغماً عنها من موقفه.
مساءً
كانت يارا ووالدي عمر جالسين امام الشالية، يستمتعون بهذا المنظر المُريح للأعصاب، رغم خوفها من النزول في المياة إلا انها تستمتع جداً بمشاهدة البحر والجلوس امامه.
وجهت سهام حديثها ل يارا
- وكنتِ عايزة تفوتي المُتعة دي يا سلمى!
نظرت لها يارا ولم ترد، اكتفت بالإبتسام، بينما تذكرت انها كذبت على والدتها وأخبرتها انها لن تستطيع ان تأتي لزيارتها خلال الايام المُقبلة لأنشغالها مع سهام المريضة، فلم تُعارض، تشعر بالضيق لانها تكذب على والدتها لكنها ما كانت لترضى إذ اخبرتها الحقيقة.
- اية دة؟ اية اللي جاب دي هنا؟
قول سهام جذبها من شرودها، التفتت لتنظر للبقعة التي تنظر لها سهام، فأتسعت مقلتيها قليلاً وهي ترى رضوى تقترب منهم، وليست بمفردها، بل مروان معها، هذا ما ينقصها، اكثر اثنين لا تتقبلهما يقتربان منها الان.
في منزل ملك
وصل إياد واستقبله والدها بإبتسامة واسعة تكاد تصل لأذنيه، بادر والدها في الحديث
- يعني جيت قبل الموعد
هذا الرجل الذي يجلس امامه يستفزه لأبعد حد، قال إياد وقد تخلى عن الرسمية
- انت عارف جي لية النهاردة، ففين ملك عشان نخلص؟
اعترض والدها
- بس مسمعتش طلباتي وموافقتش عليها لسة
- واية طلباتك؟
ابتسم والدها وقال بكل بساطة
- طلباتي بسيطة، عايز فيلا لبنتي، بإسمها، ومؤخر ٢٠٠ الف
- ٢٠٠ ألف؟
- ايوة، عشان اطمن على بنتي
ضحك إياد على رد والدها الذي اعتبره سخيف، أهذا والد يبدو عليه انه يهتم بأبنته؟
- تطمن عليها!، اتأثرت
سخرية إياد جعلت والد ملك يغضب
- ولد!، احترم نفسك
تجاهله، سأله بهدوء
- فين العروسة؟ مش هقابلها؟
- يا ام ملك، نادي ملك
ساد الصمت لدقائق قبل ان تصرخ والدتها
- ألحق يا ابو ملك ألحق
فز واقفاً بعد نداء الاخيرة، اسرع لها، توقف في منتصف الرواق حين وصل له قولها الباكي.
- ملك هربت يا ابو ملك، ملك مش موجودة.
- هو انتِ ورانا ورانا!
قالتها سهام بتبرم وصوت واضح وصل ل رضوى التي وقفت أمامهم مع إبتسامتها السمجة، تجاهلت رضوى قول سهام ورحبت بهم بهدوء، فلم يرد عليها احد سوا إبراهيم الذي دعاهم
- تعالو اقعدوا واقفين لية؟
- فين عمر؟
سألت عنه فور جلوسها، فأجابتها سهام بعدوانية
- وانتِ مالك فين عمر؟
- ازيك يا طنط سهام
قالها مروان وهو يجلس، فأبتسمت سهام وهي تُرحب به بحبور
- عامل اية يا حبيبي واخبارك؟
- الحمدالله كويس.
- جيت ازاي؟، عمر كان قايلك ولا اية؟
- لا، عرفت من إياد وجيت، عاملها مُفاجأة ل عمر
مالت قليلاً وهي تسأله بضيق
- ولية مجيتش لوحدك؟
اجابها بصراحة وهو يبتسم
- هي اللي شجعتني اجي اصلاً
عاتبته بسؤالها
- وانت مش عارف ان عمر عايز يخلص منها؟
مثّل مروان الذهول وهو يهمس
- اية؟ اول مرة اعرف، فاكر انه لسة مستنيها وبيحبها
تنفست سهام بإنزعاج وهي تعود بظهرها للخلف ونظراتها الكارهه موجهة ل رضوى الجالسة تتحدث مع إبراهيم.
بينما وجه مروان تركيزه ل يارا التي كانت تُشيح بوجهها بعيداً ويبدو عليها عدم الارتياح.
- عاملة اية يا سلمى؟
حركت رأسها لتنظر له، ردت بإقتضاب دون ان تبتسم
- الحمدالله
- مبسوط اني شوفتك
ابعدت بصرها عنه دون ان ترد، لكنها تشتعل بغيظ بداخلها، لماذا يجب تخريب لحظاتها الهادئة بهذه الطريقة؟، نهضت لتذهب لداخل الشالية، فقد اصبح الجو خانق في الخارج.
صعدت درجات السلم بغضب، في حين كان عمر يهبط من الأعلى والذي اوقفها في المنتصف حين لاحظ تجهم ملامح وجهها، سألها بريبة
- في اية؟ في حاجة حصلت؟
توقفت رغماً عنها ونظرت له بإقتضاب، ردت بعد ثواني وقد حاولت ان تتحكم بإنفعالاتها.
- رضوى ومروان برة
ارتفعا حاجبيه بذهول وهو يُردد
- نعم!، رضوى! ومروان كمان؟، اية اللي جابهم؟
- روح اسألهم
ردت بجفاء ثم تخطته لتكمل صعودها، بينما اسرع هو للاسفل.
- بتعملي اية هنا يا رضوى؟
هتف بها عمر وهو يتقدم منهم، فنهضت رضوى وهي تبتسم بهدوء وتُرحب به مُتجاهلة سؤاله
- عمر حبيبي، اخيراً جيت!، وحشتني
واتت ان تُعانقه لكنه دفعها عنه قبل ان تلمسه، كرر سؤاله بحدة
- سألتِك بتعملي اية هنا؟
اجابته ببساطة استفزته
- جيت اقضي معاكم وقت، معاك بذات
- انتِ بتستهبلي؟
هتف إبراهيم بحزم
- عمر، عيب اللي بتعمله دة
- بابا...
قاطعه إبراهيم بحدة
- كدة بترحب بالضيوف؟، مش عيب؟
تدخلت سهام بغضب
- دي ع..
ابتلعت بقية حروفها حين رمقها إبراهيم بنظرة اصمتتها، ثم قال بحزم
- رضوى ضيفة دلوقتي ومينفعش نعامل الضيف وحش
ثم نظر لها وسألها
- حاجزة في فندق او حاجة ولا لا؟
- الصراحة لا، مكنش في وقت عشان احجز
- خلاص مش مشكلة، تبقي تنامي في نفس أوضة سلمى
ونقل نظراته ل مروان واكمل
- وانت يا مروان هتشارك عمر اوضته
غادر عمر وهو غير راضي عما قاله إبراهيم، لكنه لم يعترض حتى لا ينهل عليه والده بدرس اخلاقي أمامهم.
- ملك هربت يا ابو ملك، ملك مش موجودة
وقف إياد على قدميه مُحدقاً في الباب بعد سماع قول والدة ملك، تابع والدها وهو يركض لخارج المنزل ليبحث عنها، ثم نقل نظراته لوالدتها التي اتت وجلست على الأريكة وهي تضرب على صدرها بحسرة بجانب نحيبها الذي اختلط مع قولها
- روحتي فين يابنتي، روحتي فين ياحبيبتي بس، روحتي فين يا ملك!
ما هذا الهراء الذي يعيشه الان؟، يشعر انه يشاهد فيلم في السينما..
تدارك نفسه، تنحنح من مكانه ببطء ثم تسارعت خطواته للخارج ليبحث عنها هو أيضاً، توقف عندما وصل للاسفل ليفكر، اين يستطيع ان يجدها؟ لا يعرف هذه المنطقة ولا يعرف شوارعها، اكمل سيره ليخرج للشارع العمومي حيث ترك سيارته هناك، ضغط على زر فتح القفل الإلكتروني من جهازه لكنه لم يستجب!، ادخل المفتاح في القِفل ففُتِح او اعتقد ذلك، صعدها واغلق الباب، وضع كفه على المقود ليُديره لكن عُطر غريب اخترق انفه وجذب انتباهه، استدار بتلقائية وهو يستنشق تلك الرائحة مُحاولاً معرفة صاحبها، انها مألوفة.
تصلبت عضلة في فكه حين لمح جسد ضئيل مُستلقي في ارضية المقعد الخلفي، مد ذراعه بخفة ليلتقط العصا الموجودة بجوار كرسيه بينما عينيه تحاول الوصول الى وجهه، اتسعت مقلتيه بدهشة حين تعرف عليها، انها ملك!
- ملك؟
رفعت رأسها وإبتسمت، بينما سألها وهو مازال مُندهش
- بتعملي اية هنا؟، دخلتي العربية ازاي؟، ومستخبية في الحتة الصغيرة دي ازاي؟
طلبت منه برجاء وبصوت مُختنق
- ممكن تمشي من هنا؟ وبعدها هجاوبك
سألها بغباء.
- لية؟
- عشان محدش يشوفني
- متقلقيش محدش هيشوفك، انتِ بس اللي بتشوفي من الازاز دة
اومأت برأسها وهمت للنهوض لكنها عانت قليلاً، فقد حُشِر جسدها، التقطت انفاسها بقوة حين جلست على المقعد، عادت لتسأله من بين انفاسها المُتسارعة
- بيدوروا عليا؟
قابل سؤالها بسؤال منه
- دخلتي العربية ازاي وانتِ ممعكيش المفتاح؟
- عادي، بالبنسة...
- اشتغلتي حرامية قبل كدة ولا اية؟
خرج قوله منه بتلقائية، فضحكت ووضحت.
- يارا علمتني، عشان مفتاح الاوضة بتاعتي ضايع فهي علمتني ازاي افتحه فبقيت اعرف افتح اي قِفل
هز رأسه بتعجب، ثم عاد لينظر لها ويسألها
- هربتي لية؟
- عشان امنع الهبل اللي بيحصل، وكمان كنت عايزة اتكلم معاك بس بابا ماخد مني الموبايل
اردفت مُستفسرة
- لية مسمعتش كلامي وجيت؟ قولتلك انا هتصرف
اقتربت بجسدها للأمام لتصبح اقرب وهي تسأله بقلق
- بابا هددك؟ كلم والدك او حاجة عشان كدة جيت؟
قابل حدقتيها القلقة المُرهقة بنظرات عميقة وهو يُجيبها
- جيت عشان عايز اجي
هتفت بعدم فهم
- نعم!
وضح لها ببساطة
- مش مشكلة لو جربت اخطبك، في الاخر كنت مُعجب بيكِ واهي فرصة اتقرب منك
همست بصدمة وقد اتسعت مقلتيها
- انت بتتكلم بجد؟
- دة منظر واحد بيهزر!
نقل بصره للطريق مُتحدثاً بصراحة.
- صراحة كنت مضايق من اسلوب والدك ومازلت لانه باصصلي على اني صندوق دهب يكسب منه، عموماً مش هسمحله يستغلني، بس بعد ما فكرت قولت مش هخسر حاجة لما اجرب..
كلامه أشعرها بالإهانة، لذا قالت بتحامل وقد احمر وجهها
- هو انت لية محسسني اني فار تجارب!
سألها بعتاب
- لية بتفهميني غلط؟
كأنه لم يقل شيء، اردفت ملك بإزدراء
- وغير كدة مش حرام عليك تلعب بأتنين؟
ضم قبضته وهو يقول بنفاذ صبر.
- رجعنا تاني للاتنين!، قولتلك انك فاهمة غلط و...
قاطعته بحزم
- لوسمحت مش عايزة اسمع حاجة، عايزة اقولك كلمتين بس قبل ما ارجع، اني مش هوافق عليك وهعمل اي حاجة عشان اشيل الموضوع من دماغ بابا ودة مش صعب عليا لاني عملته كتير قبل كدة
بعد ان انهت قوله وضعت كفها على مقبض الباب لتخرج لكن قوله الحائر اوقفها
- ولية رافضة؟ ما انتِ كسبانة في الموضوع، يعني لو بصينا من الناحية دي مش لاقي سبب انك ترفضي واحد زيي؟
اجابته ببساطة دون ان تنظر له
- عشان انا مش ببص للفلوس زي عيلتي، عايزة واحد يحترمني والمعروف يبقى مابينا وبس
- ما انا هحترمِك
لوت شفتيها بسخرية وهي تمتم بحزن
- معتقدش انك هتعمل كدة بعد الحصل
وترجلت دون ان تنتظر لسماع رده، بينما ظل مُحدقاً في مكانها الخالي، شقت الابتسامة شفتيه ببطء، يعتقد انه يفهمها، يفهم تصرفها وسعيد به، انها ليست كوالدها وهذا يجعله يتمسك بها وبالتجربة.
اسرع ليترجل ويلحق بها، كانت قد وصلت هي لمبنى منزلها بينما هو مازال بعيداً.
حين صعد كانت والدتها توبخها، قطع هو ذلك بقوله الذي صاحبه بإبتسامة بسيطة
- مش هنقرا الفاتحة؟
عودته سببت الصدمة لكليهما، انتبهت والدتها لصمتها فأسرعت لترحب به وقد تهللت أساريرها رغم الدموع التي ملأت وجنتيها، أخذته للصالون ودعته للجلوس ثم اخرجت هاتفها لتتصل بزوجها.
بينما ظلت ملك تنظر له من بعيد، تهز قدمها بعنف وهي تعض شفتيها دون وعي، تفكر بغيظ، لماذا يُصِر على حدث مُخجِل كهذا؟ ألا يفكر بها وان ذلك صعب عليها!
اشاحت بوجهها حين سالت دموعها على وجنتيها دون إدراك منها، تباً لماذا تبكي الان؟ ما ينقصها الان نظرة الشفقة منه.
نهضت مُتجهة للمرحاض، دخلته وفتحت صنبور المياة لتغسل وجهها عدة مرات، بعد ان جففته بالمنشفة نظرت لصورتها المُنعكسة على المرآة بفتور، تشعر بالتعب، انها تُحارب دون فائدة، وليس لديها الطاقة لتُكمِل لذا ستترك الامر، فاليحدث ما يحدث، سيتحمل هو نتيجة قراره، ألم يوافق على هذه المهزلة؟ فاليتحمل إذاً، اما هي ستظل جالسة تنتظر وتشاهد الى اين ستوصلها الامواج.
بعد ان خرجت من المرحاض ووصلت للصالون كانت قد وجدت والدها جالس مقابل إياد، انتقلت نظراته الحادة والمتوعدة لها، قال بنبرة هادئة مُقتضبة
- تعالي يلا عشان نقرا الفاتحة
نقلت بصرها ل إياد فتقابلت مع خاصته للحظات، تنهدت بإستياء وهي تُخفض رأسها لتتقدم وتجلس بجوار والدتها، بعد ان انتهيا من قراءة الفاتحة قالت والدتها
- ندي للعريس والعروسة فرصة يتكلموا، ولا اية يا ابو ملك؟
نهض والدها على مضض وسار للخارج مع زوجته.
قال إياد بجانب ابتسامة جذابة على شفتيه
- مبروك يا عروسة
حركت حدقتيها بضيق اليه ولم ترد، فمد كفه ليلتقط كفها، اتت ان تسحبه لكنه منعها بتشديد قبضته، قال بتسلط خفيف
- المفروض تعامليني كويس، كفاية جفاء بقى
ردت بشراسة
- دة أسلوبي ومش هيتغير
ثم سحبت كفها بعنف، بينما قال بهدوء
- مش اسلوبك، دي شخصية انتِ بتحاولي تتقمصيها
- متحاولش تتفلسف وتعمل نفسك عارفني.
- مش بتفلسف، بس من تعاملي معاكِ ومن التناقض اللي شايفه في شخصيتك بيسهل عليا أتنبأ بأنتِ تبقي مين
لوت شفتيها وهي تستنكر قوله
- تناقض؟
برر لها معنى ما قاله
- شوية قوية، شوية ضعيفة، شوية باردة وصريحة وشوية خجولة، بس المشاعر الأضعف بتبان انها طبيعتك اكتر
ما قاله حقيقة، لكنها لا تضعه تحت مسمى التناقض فهي تتصرف حسب الموقف الذي امامها، نعم شخصيتها خجولة وضعيفة لكن في بعض الأحيان تخرج من الصندوق، فهي مُضطرة.
عاد والدها لينضم لهم مرة اخرى، فنهض إياد بعدها بخمس دقائق مُستأدناً دون ان يلمس ما قدموه له من شراب وقطعة حلوى.
اعتدلت يارا لوضع الجلوس بعد ان سمعت طرقات احدهم على الباب، هتفت سامحة للطارق بالدخول، ارتفعا حاجبيها حين ظهرت رضوى امامها، استفسرت ببطء
- في حاجة؟
اجابتها رضوى بود وهي تُغلِق الباب خلفها
- هشاركك اوضتك، لو مش هضايقك يعني
- لية!، مش حاجزة فندق؟
- الوقت مأسعفنيش
واضافت بحماس ونبرة منخفضة
- بلس عمو ابراهيم عرض عليا اني اشاركك اوضتك وانا مش هفوت فرصة زي دي اكيد.
سألتها يارا لتتأكد من مقصدها من كلمة (فرصة)
- عشان تبقي قريبة من عمر يعني؟
- طبعاً
ثم جلست بجوارها وأمسكت بكفها لتتودد لها
- عايزاكِ تساعديني بموضوع عمر، ممكن!
رفضت يارا سريعاً ودون تفكير حتى
- لا طبعاً
وبررت ذلك ب..
- مش بحب أتدخل في حياته الشخصية
- بس انتِ اخته واكيد بيطلب رأيك في..
قاطعتها يارا لتنهي الحديث معها
- لسة في حرج مابينا ومخدناش على بعض اوي
- اممم فهمت
نهضت يارا وهي تُخبرها
- هقوم انام.
- تعالي نقعد نتكلم شوية
رفضت عرضها وهي تستلقي على الفراش
- بكرة عشان نعسانة اوي.
بينما في غرفة سهام و إبراهيم، اتخذ الاخير مكانه بجوار زوجته، اتت الاخيرة بقولها الشارد
- يااه، بقالنا كام سنة منمناش على سرير واحد؟
رد إبراهيم
- كتير، بعد سنة من لما ضاعت سلمى
صححت له بنبرة حزينة مُعاتبة
- قصدك لما عرفت بخيانتك
تجهم وجهه لذِكرها لهذا الامر، ألم تمر الايام؟ لماذا لا تنسى؟، قال بضيق
- ملهاش لازمة السيرة دي.
إبتسمت سهام بحسرة ولم ترد، بينما ضم إبراهيم قبضته بقوة، اغلق المصباح المجاور للسرير ووضع رأسه على الوسادة مُتذكراً اسوء لحظات حياته، فأظلمت حدقتيه بندم وهو ينظر لنقطة قريبة اعتقد انها بعيدة ليُريح ضميره.
أشرقت شمس يوم جديد
انتفض مروان من نومته حين سُكِب الماء البارد على وجهه من قِبل عمر، قال الاخير بكبت
- اصحى يا حلو اصحى، متحاسبناش لسة
صرخ به مروان بغضب وهو يمسح وجهه من الماء
- انت بتستهبل يا عمر؟ حد يصحي حد كدة؟
- ايوة انا
التقط الوسادة والقاها بعنف على عمر، لكنه تفادها، اتجه للباب وهو يخبره
- خمس دقايق وهرجعلك، عايزك تهرب زي امبارح ها!
ثم غادر الغرفة، في حين خروجه كانت رضوى تخرج من الغرفة المقابلة، قابلته بإبتسامة واسعة وهي تترك مقبض الباب وتقترب منه، فأسرع ليهبط درجات السلم قبل ان تصل له وتتحدث معه، فتوقفت لتنظر له من الأعلى بحنق، حدثت نفسها
- مش هتقدر تتهرب من كتير
ثم هبطت درجات السلم لتذهب للخارج وتشاركهم فطورهم في الهواء الطلق.
- حجزت يخت لبكرة.
اخبرهم إبراهيم بذلك، كانت قد وصلت رضوى وسمعت قوله فقفزت بسعادة ثم طوقت ذراعيها حول رقبة عمر الجالس امامها
- فاكر يا عمر ذكرياتنا مع اليخت؟
رفعت يارا حدقتيها لتنظر لها بكره دفين، وقد تلاشى شعورها وتبدل للرضا حين ابعد ذراعيها عنه بخشونة مُتجاهلاً اياها، فجلست رضوى خائبة.
- سلومة هتنزلي البحر النهاردة؟
سألتها سهام، فأجابت يارا رافضة
- لا مش بحب انزل المية
- لية؟
اسرع عمر ليُجيبها بإستهزاء
- عشان خوافة.
قذفته بنظرات حانقة، فأقترحت سهام
- انزلي مع عمر وهو هيمسكك، متخافيش المية حلوة وهتستمتعي بيها
- موافق جداً
شعرت بحماسه وهو يوافق، رفضت بحزم
- لا شكراً مش عايزة، لما اعوز هقولك
- انا عايزة، وهنزل معاك
خرجت رضوى بقولها الذي رأته سهام ان هذه وقاحة منها، فأحرجتها بقسوة
- وهو حد وجهلك كلام؟
- احسن احسن
قالتها يارا لنفسها حين أحرجتها سهام، تشعر بالغيظ من هذه الرضوى لذا هي تستحق كل ما تقذفه سهام عليها.
نهض عمر وخلع سترته قائلاً
- هنزل المية، هتنزلي معايا يا سلمى؟
- لا
- هستناكِ لما تغيري رأيك
- مش هغيره
تدخلت سهام بحزم
- خلاص مترخمش على اختك يا عمر
- ماشي
قالها بتذمر وهو يرمق يارا بنظرات استفزازية لم تفهم سببها، استدارت وتابعته وهو يبتعد، احمر وجهها حين استدار فجأة وغمز لها من بعيد، فعادت لتنظر لطبقها بتوتر.
- صباح الخير
قالها مروان وهو يجلس في مقعد عمر، رد عليه الجميع ماعدا يارا التي لم تسمعه من الاساس.
نظر إياد من النافذة المجاورة حين لمح قدوم ملك مع والدتها، كانت مُتجهمة الوجه ومن طريقة جر والدتها لها يُبين له انها أُجبِرت على المجيء، لكن إذ لم تأتي هي لتختار الخاتم من سيأتي بدالها!
توقفا الاثنين امام سيارته، اتت ملك ان تفتح الباب الخلفي لكن والدتها منعتها قائلة
- اقعدي قدام، جمب عريسك
رفضت يارا قائلة بتذمر وكبت
- قومتوني بدري وجيباني غصب عني وعايزاني اركب جمبه كمان؟
كررت والدتها قولها وكأن ابنتها لم تتحدث
- اقعدي قدام، جمب عريسك
تأففت ملك وخضعت لرغبة والدتها، فصعدت بجوار إياد صافقة الباب خلفها بعنف، القت نظرة سريعة عليه فوجدته يبتسم، انه يستفزها، قبل ان تعنفه كان قد نقل بصره لوالدتها التي جلست في المقعد الخلفي وحيته بود
- صباح الخير يابني
- صباح النور يا طنط، عاملة اية النهاردة؟
- الحمدالله
- عندِك مكان مُحدد عايزة تشتري منه الدبلة؟
اجابت ملك بتبرم
- اي نيلة.
قال مُعاكساً اياها بخبث
- كنت بسأل طنط
رمقته بغيظ فمنحها إبتسامته السمجة، بينما اجابت والدتها
- ودينا المكان اللي تعرفه انت يابني
- خلاص عنيا
اكملا الطريق وهما يتحدثان عن امور عدة و ملك لا تشاركهم، وصلا ودخلا محل الذهب، جلست والدتها على المقعد بصمت لتمنحهم حرية الاختيار.
- اتفضلوا
اخبر إياد الصائغ عن طلبه
- ورينا التوينز اللي عندك
- حاضر
ووضع أمامهم عدة أشكال، نظر إياد ل ملك وقال
- اختاري اللي يعجبك.
وجهت ملك حديثها للصائغ
- عايزة أرخص حاجة لوسمحت
رفع الصائغ حاجبيه بذهول ثم ابتسم وهو يومأ برأسه، بينما مال إياد برأسه بالقرب منها مُعترضاً
- لية أرخص حاجة؟
نظرت له بطرف عينيها مُجيبة اياه
- عشان لما نسيب بعض بعد اسبوعين متخسرش كتير
عقد حاجبيه بحيرة مُعلقاً
- نسيب بعض لية؟ واشمعنى اسبوعين؟
- مش انت قولت انك هتجرب! واكيد تجربتك العظيمة مش هتطول يعني.
اخذها جانباً بعيداً عن نظرات الصائغ الفضولية، قال مُستنكراً قولها
- يعني عشان بجرب يبقى انا مش ماخد الموضوع على محمل الجد؟
- ايوة، معتقدش انك ماخده على محمل الجد
- ولية بتقولي كدة؟ اية الوصلك الفكرة دي؟
تنفست بقوة قبل ان تواجهه بتحامل عما كان يدور برأسها منذ ان صعدت سيارته، فرغم انها غير راضية عن هذه الخطبة إلا ان ما تفكر به من حقها الحصول عليه، من حقها الحصول على الاحترام.
- طب تقدر تقول لي فين اهلك؟ مامتك او باباك؟، ولا انا مش قد المقام عشان يجيوا ويقدروني؟
كانت فظة، وشعرت بالندم الشديد لأسلوبها بعد ان اجابها بهدوء وقد اشاح بنظراته عنها وكأنه سيخفي الألم والحزن اللذان لمعا في حدقتيه.
- والدتي مُتفية
همست بأسف
- البقاء لله
بينما تابع...
- وعلاقتي مع بابا علاقة شغل ومناسبات وبس
عاد لينظر لها وليأسرها بصدق حدقيه بجانب قوله الذي لامس قلبها.
- فياريت متاخديش الموضوع بسوء ظن، انا بقدرك وبحترمك، فمتفكريش كتير، مش هعاملك وحش عشان اسلوب والدك أو حاجة، عايزك تديني فرصة وبس
- حاضر هديك فرصة
خرجت منها دون وعي، رمشت اكثر من مرة لتدرك بعدها انها وافقت على طلبه، حركت حدقتيها بتوتر داخل مقلتيها وقالت بتعجل وهي تكاد تتخطاه لتعود للصائغ
- يلا يلا عشان نشتري الدبلة ونخلص.
التقط كفها قبل ان تبتعد وسار بها للصائغ، ازدردت ريقها بإضطراب، تشعر بدقات قلبها تتسارع، فأدركت سريعاً ان قلبها يخونها، سيقع في حب إياد رغماً عنها، فحركاته التي تراها رومانسية ورجولية تضعفها.
في دهب
ابعدت يارا الهاتف عن اذنها بنفاذ صبر، لماذا هاتف ملك مُغلق؟، مرت عدة ايام وهي لا تستطيع الوصول اليها، حتى انها لم تذهب لوالدتها كوثر، فشعرت بالقلق، وبدأ عقلها في رسم سيناريوهات تزيد من قلقها.
بحثت عن رقم إياد واتصلت به بعد تردد، قد يعرف اي شيء عنها لكنه لا يُجيب ايضا!
وضعت الهاتف في جيب بنطالها بخشونة وسارت على الرمال لتذهب ل عمر القابع في البحر يسبح بمهارة وتسأله إذ اخبره صديقه عن اي شيء يخص صديقتها، لكن مروان أعاق طريقها، قال بطريقته السمجة
- مُتجاهلاني خالص لية يا قطة؟
ردت بتهكم لاذع
- ومن امتى بعبرك اصلاً!
طأطأ مُدعياً الحزن وهو يعاتبها
- تؤتؤ، بتعامليني بقسوة لية! دة انا حتى مُعجب.
تأففت وهي ترمقه ببغض قبل ان تتخطاه، فأسرع ليمسك برسغها ليجبرها للنظر له مرة اخرى، قالت بغضب وهي تجز على أسنانها
- سيب ايدي
قال بفحيح وقد اظلمت حدقيته بطريقة مُخيفة
- طريقتك معايا بدأت تستفزني
- ما تستفزك اعمل اية يعني!
ردت بشجاعة دون ان تهتز من تغيره المُريب، حاولت ان تسحب ذراعها لكنه كان يضغط اكثر على رسغها حتى أصبحت تتألم.
بينما خرج عمر سريعاً من الماء حين رأى ما يحدث من بعيد، سب مروان وتوعد له لأنه مُصِر على إثارة غضبه.
جذبها مروان لتقترب خطوة وهو يطلب منها بخشونة
- أتكلمي معايا زي ما بتتكلمي مع عمر واديني فرصة و...
قاطعه عمر بوضع قبضته على قبضة مروان بعنف، قال
- ابعد ايديك عنها
ابتسم مروان بإستفزاز وهو يترك رسغها ويدفع كف عمر من عليه بغير رفق، دلكت يارا رسغها بألم بينما اردف عمر بغضب مكبوت.
- مش قولتلك اكتر من مرة ابعد عنها؟
رد عليه بعناد ونظرات مُتحدية
- وانا قولتلك انها عجباني وهقرب منها
- لا انت مجنون
قالتها يارا بخفوت وهي ترمقه بإزدراء، بينما حذره عمر بنبرة حادة خشنة
- امشي قدامي وإلا انا مش مسؤول عن اللي هيحصل
سخر مروان
- هتضربني مثلاً!، متنساش ان ابوك وأمك ورانا
- لا يا حلو مش ورانا، دول بُعاد وهقدر اضربك بسهولة
اتسعت إبتسامة مروان الاستفزازية وهو يحثه
- طب يلا
اتت رضوى من خلفهم مُتسائلة.
- في اية؟
لم يُجيبها احد، بينما قال عمر لاخر مرة
- تعال ورايا ومش هكرر كلامي
انهى جملته وتحرك مُتجهاً للشالية، فسار الاخر خلفه وهو لا ينوي على خير.
خرجت ملك مع والدتها من المحل و إياد خلفهما، مدت كفها لتفتح باب السيارة فدوى صوت إنذار، استدارت ونظرت ل إياد بإستغراب، فأجابها بعبث قبل ان تسأل
- طلع في حرامية كتير ولازم أأمن عربيتي
فهمت ما يقصده، فرمقته وهي تدافع عن نفسها
- انا مش حرامية
قال ببراءة مُصطنعة
- وحد كلمك؟
ثم صعد لمقعده، فإبتسمت قبل ان تتخذ مكانها بجواره.
- تحبي نروح ناكل فين؟
طرح سؤاله على ملك، وقبل ان تُجيب الاخير قالت والدتها.
- روحني انا يابني وروحوا انتوا
- هروّح معاكِ
قالتها ملك فأعترض إياد
- لا انتِ هتيجي معايا، ومفيش اعتراض
شعرت بسعادة خبيثة بداخلها من تمسكه، فلم تعترض مرة اخرى.
ركضت يارا للشالية لتلحق بهم، اوقفتها سهام
- في اية؟ بتجري لية؟
كذبت يارا وهي تلهث
- لا مفيش، عايزة اقول حاجة ل عمر بس
- آة، هو لسة داخل مع مروان
- ماشي، عايزة اجيبلك حاجة من جوة؟
- لا يا حبيبتي تسلمي
أكملت يارا طريقها للداخل، اتجهت مُباشرةً للأعلى حيث غرفة عمر، تباطأت خطواتها حين سمعت صوتهما المرتفع، اقتربت حتى توقفت عند الباب ليصبح سماع ما يقولانه واضح لها.
حيث كان يقول مروان.
- انت مش اخوها ولا ليك الحق انك تقولي مقربش منها، انت غريب عليها زيي بظبط، ففوق من الدور اللي انت عايش فيه
اتى رد عمر
- فكك بقى من الكلام اللي انت بتقوله كل مرة دة، واسمعني كويس لاني بعيده للمرة التالتة ودي اخر مرة هحذرك فيها
- ما تقول بصراحة يا عمر، انت مضايق لية مني ومن فكرة اني اقرب من يارا؟
واضاف مروان بمكر شديد
- ليكون عينك عليها!
اتسعت مقلتي يارا وتسارعت انفاسها، قربت اذنها اكثر من الباب مُنتظرة سماع رد عمر بترقب!، وضعت كفها على فمها تكتم شهقتها حين سمعت رد عمر الصريح
- ايوة، بحبها وعيني عليها، لِك فيه؟
اغلق مروان باب الغرفة خلفه، تقدم من عمر ليواجهه بنظرات باردة مُتحدية، بادر الاخير في الحديث
- جيت من غير ما تعرفني وجبت معاك رضوى ومشيتها، استهبلت انت وهي ومحجزتوش في فندق عشان تقعدوا معانا وقولت خلاص مش مشكلة، اما انك تعمل مشاكل وتستقصد تستفزني بالحاجة اللي حذرتك منها هنا هقف ومش هسكت، تعرف لية؟ لاني سكتلك كتير وحذرتك بس انت مُصِر
اكد له مروان.
- ايوة مُصِر اني اقرب منها لانها عاجباني وداخلة دماغي وتهديداتك بتبقى حافز ليا اني اتمسك بيها..
- زي ما انا بهددك انت بتهددني، تصرفاتك دي ممكن تكشف حقيقة يارا وانا مش هسمح ب دة
صارحه مروان بخبث
- بس دة مش سبب تصرفاتك وحمقِتك
- لانها مسؤوليتي..
قاطعه مروان ساخراً
- مسؤوليتك لانك اخوها!، دة اللي هتقوله؟
احتدت نبرته وهو يستطرد بإنفعال.
- انت مش اخوها ولا ليك الحق انك تقولي مقربش منها، انت غريب عليها زيي بظبط، ففوق من الدور اللي انت عايش فيه
ضم عمر قبضته وقال وهو يجز على اسنانه اثناء اقترابه من مروان
- فكك بقى من الكلام اللي انت بتقوله كل مرة دة، واسمعني كويس لاني بعيده للمرة التالتة ودي اخر مرة هحذرك فيها..
قاطعه مروان مرة اخرى وهو يسأله بشفافية
- ما تقول بصراحة يا عمر، انت مضايق لية مني ومن فكرة اني اقرب من يارا؟
واضاف مروان بمكر شديد
- ليكون عينك عليها!
تبدل إشتعال حدقتي عمر الغاضب ل إشتعال حاني يُظهر ما بقلبه بوضوح، بجانب رده الصارم
- ايوة، بحبها وعيني عليها، لِك فيه؟
تعالت ضحكات مروان الساخرة والقوية، هدأت تدريجياً جتى تجهم وجهه قائلاً بجمود
- أنت بتتكلم بجد!، ازاي سمحت لنفسك انك تحبها وهي قدام اهلك والناس اختك!
اتى عمر ان يرد لكن صوت سقوط شيء حديدي في الخارج أوقفه، اسرع ليفتح الباب وينظر حوله بقلق، لكنه لم يجد شيء حتى مصدر الصوت لم يره، سار للسلم لينظر للاسفل، فهل كان هناك احد؟ هل سمع شيء من حديثهما؟
- متقلقش مفيش حد يا عم
قالها مروان وهو يقف عند عتبة الباب، فأستدار عمر بنصف جسده ناظراً للاخر، اخبره بحزم مُنهياً الحديث
- اعتقد ان كلامي واضح فمش لازم نكمل كلام ولا نفتح الكلام من تاني.
ثم هبط درجات السلم، بينما وضع مروان كفيه في جيوب بنطاله بلامبالاة قبل ان يلحق به للاسفل.
بينما في الناحية الأخرى، في الغرفة المجاورة، كانت قد اختبأت يارا بداخلها بعد سماعها لإعتراف عمر الصريح الصادم بالنسبة لها، وقد اصطدمت قدمها بصناديق حديدية صغيرة فأصدرت ذلك الصوت لكنها تحمد الله انه لم يكتشف ان مصدر الصوت من الغرفة التي تختبأ هي فيها، وتنفست الصُعداء حين شعرت بمغادرتهم فآخر شيء تتمناه ان تواجهه بعد ما سمعته.
وضعت كفها على صدرها لتشعر بتلك الطبول داخل قفصها الصدري، جلست على الارض وهي تمسح عرقها رغم ان الجو ليس بتلك الحرارة لكنها تشعر بالحر، يبدو ان ما قاله سبب حالتها هذه، بل هذا اكيد.
تذكرت كلماته التي هزت كيانها، انه لشعور غريب لم تشعر به من قبل، توتر وخوف وسعادة!، لحظة سعادة؟، هل شعرت بالسعادة؟
ضمت قبضتها لتنتقل لنقطة اخرى، هل هذا ما يجب ان تشعر به لمعرفة ان هناك احد يحبها؟، الخوف يلازمها من هذا الامر، ألن تتخلص من ذلك النقص الذي بداخلها لتنعم بالقليل من الراحة والسعادة مع أُناس جُداد!
تركت ذلك التفكير المُتشعب لتركز على الجوهر، وقوع عمر في حبها شيء ما كانت تتخيله يوماً، بدأ عقلها في عرض تصرفاته الاخيرة وقوله انه يُريد ان يتقرب منها، أذلك كان اعتراف غير مُباشر وهي لم تفهم!
اخذت تعض أظافرها بإضطراب وهي تُحرِك حدقتيها حولها محاولة التفكير في طريقة للتصرف في هذه الكارثة، نعم انها كارثة ولا يجب ان تتأثر او تهتز، يجب ان تحافظ على الجدار التي شيدتها حولها فهذا أأمن لروحها؛ لذا نهضت بحزم وقد عزمت ما عليها فعله دون ان تُعيد التفكير، ستتجنبه تماماً و تعامله بجفاء، فلا اسهل عليها من إتقان ذلك.
خرجت من الغرفة بخطوات مُتسارعة واتجهت للاسفل حتى تتجه للمطبخ وتصنع لنفسها قهوة حتى لا تخرج خالية اليدين ويشك عمر بها.
اثناء صنعها للقهوة دخل عمر للمطبخ وجفلت دون اي داعي حين سمعت صوته من خلفها
- بتعملي اية؟
استجمعت نفسها واجابته بإقتضاب
- قهوة
مال بجسده مُستنداً بكفيه على الطاولة التي تتوسط المطبخ قائلاً
- ماما قالتلي انك كنتِ عايزاني، عايزة تقوليلي اية؟
توقفت عما تفعله لتنظر امامها وهي مازالت تلويه ظهرها، تحدثت بجمود
- مكنش له لازمة اللي عملته مع مروان دة، انا اقدر اتعامل معاه
اسقط بصره لرسغها قائلاً بنبرة لامست السخرية
- ما هو كان باين
ثم أضاف بجدية
- متقلقيش، مروان مش هيضايقك تاني..
قاطعته بضيق مُصطنع وهي تستدير له، لا تعلم لِم اختارت التصرف بإنزعاج كاذب
- لية؟، مش ممكن اكون معجبة به مثلاً وانت بتقفل الطريق عليا!
صدمته بِما قالته، انعقد حاجبيه بحدة وهو يقول بنبرة ظهر عليها الضيق
- طريقتك معاه متدلش على كدة ابداً
استنكرت رافعة حاجبيها بحنق
- وانت ايش فهمك بطُرق البنات؟
استقام وهم للإقتراب منها وقد لمعت حدقتيه بمكر لم تفهم سببه
- يعني انتِ مُعجبة ب مروان؟
فرقت شفتيها لتُجيبه لكنه تابع قوله مع إبتسامة جانبية
- ولا عشان سمعتي اللي كنت بقوله ل مروان في الاوضة؟
اتسعت مقلتيها قليلاً وانقطعت انفاسها، حاولت سريعاً إنقاذ نفسها فتصنعت الجهل بمهارة مُعاكسة لملامح وجهها التي أظهرت إرتباكها بحماقة.
- سمعت اية؟ مش عارفة بتتكلم على اية؟
توقف امامها مُباشرةً آسِراً عينيها بخاصته بقوة، سألها بخفوت وثقة
- تحبي اعيد لِك اللي سمعتيه؟
في الحقيقة انه رآها، رأى ظلها يقترب من فتحة الباب السفلية والتي تقابلها أشعة الشمس فأنعكس ظلها بسهولة، وتأكد انها هي حين خرج هاجمته رائحتها المميزة بالنسبة له؛ لكنه مثّل الجهل امام مروان وانهى ذلك الحديث حتى لا يُعقد الأمور امامها، لم يكن ليواجهها الان لكن محاولة إبعادُه الواضحة له اغاظته وخاصةً انها اتخذت من مروان حجة.
تخطته مُصطدمة بكتفه لتهرب من مواجهة لا تُريد حدوثها ابداً، لكنه استدار سريعاً ليمسك بذراعها ويوقفها بقوة، فرق شفتيه ليقول شيء لكنها سبقته بقولها القاسي
- ايوة سمعت اعترافك السخيف وميهمنيش، اتصرف بمشاعرك بعيد عني
صدمه قولها حتى انه ترك ذراعها دون ان يشعر، مُحدقاً بها بعدم تصديق، تابعها وهي تبتعد، لم يستطيع إقافها فقد أُلجم لسانه وامتلأ صدره بخيبة لاذعة.
اوصل إياد والدة ملك للمنزل ثم اكمل طريقه مع ملك إلى إحدى المطاعم الذي يُفضلها هو، فحين سألها مرة اخرى عن رغبتها في الذهاب لمكان معين، اجابته ب
- اي حاجة.
بعد لحظات وجدته يتصل بأحدهم ثم اخذ يتحدث مع الطرف الاخر بالإنجليزية، لم تفهم الكثير مما قاله لانها ليست جيدة بهذه اللغة، لكن من معرفتها الضئيلة بها علِمت انه يتحدث مع فتاة وهذا أزعجها، وأخذها عقلها لأفكار سيئة ومُهينة، هل يظن انها جاهلة لذا يتحدث بهذه الراحة دون ان يخاف على مشاعرها، فهي لن تفهم ما يقوله في النهاية.
لقد اخبرها انه يحترمها لكنه ينقض ما قاله الان وبكل بساطة، لا يجب ان تثق به.
هل يجب ان تسأله؟ توبخه؟ ام تصمت؟، قررت الصمت حتى لا تخوض حديث لا داعي له، هذا ما يجب ان يكون عليه الامر.
وصلا للمطعم ودخلا معاً، سحب لها الكُرسي لتجلس ثم اتخذ المقعد المقابل لها، اخبرها وهو يبتسم
- في حد عايزِك تقابليه
- مين؟
- هتعرفي وقتها
لم تُصِر عليه، اخذت القائمة التي وضعها النادل على الطاولة وحاولت ان تختار أرخص ما في القائمة، فلم يعترض، اتى النادل ليأخذ طلباتهم.
- عايز كوكتيل مشويات واتنين بيبسي و...
يبدو انه نسيها، فذكرته بطلبها
- العدس
تجاهلها واكمل سرد طلباته على النادل، وحين تركهم الاخير، اخبرها إياد بود
- ملهوش لازمة كسوفك وأنك تختاري أرخص حاجة، الحمدالله الخير كتير ف لية تقولي لا؟
لم ترد، اشاحت بوجهها للناحية الأخرى وساد الصمت، شعر بالإستياء بداخله، فيبدو ان الوصول اليها سيستغرق جهد اكبر مما تخيله.
بعد لحظات ظهرت فتاة اجنبية في محيط رؤياها، كانت تسير في ناحيتها ولاحظت ان نظراتها مُسلطة على إياد، وبعد وهلة ذكرها عقلها بها، انها نفس الفتاة التي رأتها تعانقه من قبل، اخذت تفكر في سيناريوهات الافلام، هل ستتقدم منها وتُسبب فضيحة بسبب حبيبها التي تجلس هي معه!
ازدردت ريقها بقلق وهي تنقل نظراتها للطبق الفارغ امامها، حتى انها لم ترفعها حين نهض ليلقي التحية على هذه الأجنبية، رفعت رأسها حين نطق إياد اسمها من بين جملته الإنجليزية
- روز، أُعرفك على زوجتي المستقبلية، ملك
نقلت ملك بصرها بينهما بعدم فهم حين تسلطت نظرات الاثنين عليها، فهمت بعدها انه قدمها لها حين قال
- دي روز يا ملك..
أضاف موضحاً
- صديقة عادية، مش حبيبتي زي ما كنتِ فاكرة
فرغ فاهها كالحمقاء وهي تتمتم.
- ها!
ابتسمت كالحمقاء وهي تنهض لتمد كفها وتصافح روز لكن الاخيرة تجاهلت كفها واندفعت لتعانقها بحماس وهي تتحدث بلغتها التي لا تفهمها ملك، فرفعت بصرها ل إياد لتحرك شفتيها ب
- بتقول اية!
اخبرها بإبتسامة صغيرة ونظرات حانية
- بتقول انها مبسوطة لانها اتعرفت على حبيبتي واني محظوظ بيكِ
انهت روز ذلك العناق اخيراً فتمتمت لها ملك بالإنجليزية
- شكراً لكِ.
ثم اتخذ كل واحد منهم مقعده، وأخذ إياد يتحدث مع روز بينما شردت ملك وسحبها تفكيرها للأفكار السيئة السابقة عن إياد لتندم على ذلك، انها ظلمته، لقد حاول سابقاً توضيح الامر لكن في كل مرة كان يحدث شيء يُعيقه.
اجفلت حين شعرت بكفه يمسك بكفها الموضوع على الطاولة، تقابلت حدقتيها بخاصته وشعرت بأنه يحدثها بهما، يسألها هل تُصدقه الان؟ هل تثق به!، ازدردت ريقها وهي تسحب كفها لجانبها بخجل.
تابعت رضوى إبتعاد يارا بحاجبين مُرتفعين بعد خروجها من الشالية، فقد كان حولها هالة غريبة، توقعت انها خاضت مع عمر نقاش حاد لذا يبدو عليها الانزعاج، هل يرفض عمر علاقة مروان مع اخته؟ فقد اخبرها الاخير سابقاً انه مُعجب ب سلمى لذا استنتجت ذلك.
بعد لحظات تابعت خروج عمر وهو مُتجهم الوجه فتأكدت من استنتاجها، نهضت ولحقت ب عمر الذي اتخذ نفس طريق يارا.
بينما نهضت سهام مع إبراهيم لداخل الشالية فظل مروان جالساً بمفرده ينظر ل عمر المُبتعد بحقد دفين.
- استنى يا عمر بقى
قالتها رضوى بضجر وقد تمكنت اخيراً من إيقافه، نظر لها بجفاء، بينما قالت بإستنكار
- مالك؟، كل دة عشان مروان وأختك؟
احتدت حدقتيه وهو يسألها بخشونة
- عرفتي منين؟
- مروان...
قاطعها بطرح سؤال اخر بريبة
- وقالك اية تاني؟
اجابته بصدق
- ولا حاجة
عقدت حاجبيها وهي تستفسر
- لية؟ في حاجة تانية معرفهاش؟
- لا.
رد بإقتضاب وتخطاها، فأسرعت لتُصاحب خطواته وهي تتحدث بسلاسة
- مروان كويس واكيد مش هيلعب بأختك لانك صاحبه، فمتقلقش منه
توقف عن السير ونظر لها بطرف عينيه مُحرِجاً اياها بقوله
- هو حد طلب رأيك او قالك تدخلي؟
همست بأسمه وهي تُعاتبه بحدقتيها
- عمرر!
اكمل سيره فكادت تُكمِل لحاقها به لكنه زمجر بغضب
- متلحقنيش احسنلك
فتوقفت رامقة اياه بحنق.
وصلت يارا لنقطة بعيدة عن الشالية، جلست على الصخر وحدقت امامها بحدقتين مُهتزتين وملامح جامدة لا تُظهر إنقلاب داخلها، دقات قلبها المُتسارعة والتي تعرف سببها جيداً لكنها تتجاهلها، سعادة قابعة في نقطة بعيدة داخلها لا تُريد الاعتراف بها، وحزن وخوف يُغلف روحها.
بينما توقف هو خلفها مُتردداً إذ يقترب منها ام يعود ادراجه!، كذلك مُتردداً في السعي خلفها، خائف ان يكرر تمسكه ويكتشف بعدها انه مُخطئ وأنها لا تستحق ك رضوى، لكن هناك صوت ينهره على تفكيره بهذه الطريقة، فلا يجب ان يتخذ الطريق السهل، فاليُجرب حظه فيخرج من هذه التجربة بدرس جديد او قصة حب جديدة.
استدارت بتلقائية وكأنها شعرت بأنه خلفها، ضمت قبضتها حين رأته لعلها تُسيطر على موجة المشاعر التي تُداهمها الان ولو حتى امامه فقط، تجهم وجهها وهي تنهض بحدة، فأقترب ليقف امامها على الصخرة، سبقته بقولها الصارم
- همشي بليل ومش هستنى دقيقة هنا، فأتصرف مع اهلك وشوف هتقولهم اية
قال مُستنكراً
- كل دة عشان عرفتي اني..
قاطعته قبل ان يقول تلك الكلمة المُريبة
- ايوة، وهعمل اكتر من كدة لو تطاولت معايا في الموضوع دة.
وقبل ان يسألها قالت مُهددة اياه
- هلغي الاتفاق ومش مهم الشهر الباقي وهستغنى عن نص فلوسي و...
قاطعها بحنق مكبوت ونبرة هادئة
- مش قولتي اتصرف مع مشاعري! يبقى شاغلة نفسك دلوقتي لية؟
- مين شاغله نفسها! انا!
ضحكت بشراسة ثم قالت ببرود مُصطنع
- حاجة متخصنيش اشعل دماغي بيها لية؟
انهت قولها وكادت ان تتخطاه لولا انزلاق قدمها فكادت ان تسقط لكنه اسرع ليلتقطتها مُمسكاً بذراعيها، فتمسكت به حتى تستقيم وتسترجع توازنها ثم دفعت كفيه بعيداً عنها وهي ترمقه بإزدراء وتبتعد، فإبتسم في غضب وهو يتابعها تبتعد.
في سيارة إياد، صعدت ملك بجواره وانطلق، تنحنحت وقالت بحرج
- اسفة لاني اتهمتك بحاجة مش صح
رد ببساطة
- المهم ان فكرِتك عني تكون اتصححت، دة اللي يهمني
اومأت برأسها وصمتت، بينما استطرد
- صحيح، لقيت مكالمة فائتة من يارا
ضربت جبينها مُتذكرة هاتفها الذي أخذته من والدها وقد نست فتحه، فأسرعت لإخراجه من حقيبتها وهي تقول
- اكيد قلقت عليا عشان كدة اتصلت بيك
فتحت الهاتف بينما تفكر بحيرة.
- بس لية اتصلت بيك وهي عارفة ان مفيش حاجة مابينا!
رد إياد بهدوء
- ممكن تكون متصلة غلط
- ممكن
تمتمت بها ملك ووضعت الهاتف على اذنها مُنتظرة إجابة يارا على اتصالها لكنها لم تُجيب، اعادت الاتصال عدة مرات وكانت نفس النتيجة.
- مش بترد عليا
قالتها بإستياء، بينما قال إياد
- ممكن متكونيش عارفة عشان موبايلك مكنش معاكِ بس يارا مش في القاهرة
- اومال هي فين؟
- في دهب، مع عيلة عمر
- واية اللي وداها معاهم؟
- مش هي سلمى! لازم تروح
غمغمت بتفهم ثم صمتت قبل ان تطلب منه برجاء
- طب متقولهاش على اللي بينا
- لية؟
- هي متعرفش للان ومش عايزاها تعرف من حد غيري
اومأ برأسه مُطمئناً اياها، فنقلت بصرها للطريق وصمتت.
بعد فترة قالت عاقدة حاجبيها
- دة مش طريق البيت!
- هنروح مكان الاول، عايز اجيبلك حاجة
- اية هي؟
- هتشوفي دلوقتي
وخلال دقائق كان قد اوقف السيارة جانباً، ترجل فترجلت خلفه، سألته مُستفسرة
- جايين المول لية؟
اجابها اخيراً
- عشان نشتري لبس
عقدت حاجبيها وهي تسأله ببطء
- لمين؟ ليا؟
اومأ برأسه وهو يمسك بكفها ليسيرا معاً، لكنها اوقفته بسحبها لكفها ووقوفها، فأستدار بحيرة بينما قالت بضيق
- لية؟ مال لبسي؟ مش عاجبك؟
- مش قصدي..
لم تسمح له ان يتحدث ويوضح، فقد أكملت بإنفعال وحدة
- شايفه متقطع ولا قديم ولا عشان باينة اقل منك وانا جمبك!
حاول الحديث مرة اخرى لكنها مُصِرة على إكمال كلامها اولاً.
- مش غصباك على حاجة، ومش عايزة نجرب حتى، ياريت تبعد عني وتشوفلك واحدة في مستواك
رأى دموعها المُتحجرة في مقلتيها قبل ان تغادر، حاول إيقافها
- استني...
لكنها أسرعت وكادت تكون ركضت حتى تهرب منه، فتأفف بضيق وضرب السيارة بقدمه، لماذا تُسيء ظنه بهذه الطريقة البشعة!، لم يكن يقصد شيء مما قالته، أراد إسعادها فقط فقد سمع ان المرأة تسعد عند شراء الملابس ومستحضرات التجميل، من أين يعلم انها ستأخذ الامر على انه إهانة!
في الشالية..
- هتفضل مخبي عليا كتير؟
طرحت سهام سؤالها على إبراهيم وهي تراقبه بعينين ضيقتين، فتوقف الاخير عن تقليب الشاي دون ان يرفع بصره لها، عاد لِما يفعله بعد لحظات مُتساءلاً
- بتتكلمي على اية؟ مش فاهم
- على رضوى
- مالها؟
تعلم انه بتصنع الجهل، لذا قالت بنبرة مُستخفة
- فاكر اني مش عارفة انك بتدعم وتشجع رضوى على انها تقرب ل عمر وتحاول ترجعه ليها؟
قبل ان يرد اضافت..
- سمعت نصايحك ليها إمبارح.
بدى بارداً وهو يتساءل
- وفيها اية؟
قوله أثار غضبها فهتفت بإستنكار حاد
- وفيها اية؟، مشوفتش عملِت اية مع ابنك؟
رد إبراهيم بثقة
- وأنا عارف ابني، هو مش هيرجعلها فخليني أوهمها اني معاها
عقدت حاجبيها بعدم فهم
- واية لازمتها؟ هتستفاد اية؟
اجاب وهو يُعيد ظهره للخلف
- في واحدة بنت حرام بتلف على ابنك ودي العن من رضوى، فبحاول اخلي رضوى وسيلة تبعده عنها بس
اندفع جسد سهام للأمام وهي تسأله بفضول وريبة.
- مين دي؟ عرفها منين وانت عرفت منين؟ عمر قالك؟
- عرفت لوحدي
اردف برجاء
- ومتقوليش ل عمر اي حاجة
اومأت سهام برأسها واكملت سلسلة اسألتها الفضولية
- وناوي على اية؟
- مش عارف بس متقلقيش، موضوعه معاها هينتهي قريب، انا متأكد
قالها بغموض وهو ينقل بصره للتلفاز.
اسدل الليل ستاره
عادت يارا للشالية، فور رؤية سهام لها قالت موبخة اياها
- كل دة فين يا سلمى؟ مش لازم تقوليلي قبل ما تبعدي ولا تخليني اقلق كدة؟
اعتذرت يارا وهي تجلس بجوارها
- اسفة والله، بس عمر عارف وافتكرته هيقولك
- عمر مرجعش ومعرفش هو فين، بس مروان قال انه شافه مع رضوى
تدخل مروان قائلاً بكذب
- شكلهم هيتصالحو
نهرته سهام
- تف من بوقك يا ولد.
ضحك مروان وأومأ برأسها وهو يُغلق فمه بكفه بكوميديا، بينما شردت يارا لوهلة بقول الاخير، هل تصالحا فعلاً! إذاً ماذا كان ذلك الاعتراف؟، جذبت سهام تركيز يارا من جديد حين مالت عليها وهمست بجوار اذنها
- تبقي تفكريني اقولك حاجة عن عمر، حاجة مهمة، بس هيبقى سر ما بينا
- اية هو السر؟
همست يارا مثلها، وقبل ان تُجيب سهام كان عمر قد عاد وبجواره رضوى التي كانت تتحدث والابتسامة تكاد تصل لأذنيها، وقد صمتت حين وصلت امامهم.
تقابلت حدقتي يارا بخاصة عمر بالصدفة حين رفعتها لهما، يبدو ان ما قاله مروان صحيح، من تلك المسافة القليل التي بينهم وإبتسامة رضوى المُزعجة بالنسبة لها.
اشاحت بوجهها بإقتضاب، وحين جلس عمر نهضت هي لتستأذن
- هطلع انام عشان تعبانة
تمسكت بها سهام
- اسهري معانا شوية.
- مش قادرة والله
- خلاص براحتك يا حبيبتي
قبلتها يارا وصعدت لغرفتها.
في شقة إياد
كان جالس على الاريكة واضعاً الهاتف امامه على الطاولة ونظراته مُسلطة عليه، انه ينتظر رد منها، لقد أرسل رسالة لها لكنها رأتها وتجاهلتها!، لماذا تجاهلتها؟ ألا تتخذه على محمل الجد؟، لماذا هي قاسية هكذا؟، لكنه نهر نفسه وندم على إرساله هذه الرسالة
- اسف ومتزعليش مني بس فعلاً مكنش قصدي، كنت عايز افرحك بس ولو كنت اعرف ان تصرفي هيضايقك وهتاخديه بسوء ظن مكنتش عملته.
ما كان عليه ان يوضح لها شيء، فقد حاول سابقاً لكنها رفضت فلماذا أرسل هذه الرسالة الغبية! لماذا لم يفكر بكبريائه وفكر في حزنها فقط! لقد قدرها لكنها ماذا فعلت؟، رأتها ولم تقُل شيء، فمن لا يحترم الاخر هنا؟
سارت على أطراف أصابعها بخفة وحذر لتصل للباب وتحمل الحقيبة الصغيرة التي قامت بتجهيزها سابقاً ثم فتحت الباب ببطء لتخرج خارج الغرفة وتتجه للسلام بخطوات مُتسارعة، هبطتها وخلال ثانية كانت في الأسفل، خرجت من باب الشالية الذي كان مفتوح!، لم تُشغل تفكيرها كثيراً أكملت طريقها للشارع العام فقد طلبت سيارة أُجرة لتوصلها لمحطة الحافلات التي ستوصلها للقاهرة.
وحين وصلت للشارع العام اخرجت هاتفها لتتصل بالسائق لكنها وجدت اتصالات كثيرة فائتة من ملك، فحدثت الهاتف وكأنه ملك
- هتصل بيكِ على الطريق ان شاء الله
قبل ان تضغط على زر الاتصال على رقم السائق وجدت سيارة حمراء تتوقف امامها وقد انزل صاحبها زجاج النافذة المجاورة.
لم تنظر وانت ان تتحرك لكن صوت عمر داخل السيارة اوقفها
- يلا اركبي يا يارا
مالت لتنظر له خلال النافذة بذهول، هتفت بحيرة
- بتعمل اية هنا؟
- هرجع معاكِ القاهرة، اكيد مش هسيبيك تروحي لوحدك
سخرت بكبت
- لية؟ صغيرة؟
اردفت بحزم
- اكيد مش هروح معاك
تنهد طالباً منها بلطف
- ممكن متعانديش؟
- مش بعاند، فعلاً مش عايزة اروح معاك
زفر وهو يترجل من السيارة ليلتف حولها ويقف امامها قائلاً بملامح جامدة
- لو مركبتيش معايا مش هسمحلك تروحي لوحدك
- بتهددني؟
- لا، بعرفِك بس.
انهى قوله وتبادلا النظرات، نظراته الجدية والحازمة التي تُظهر مدى تمسكه بعدم تركها بمفردها، امام نظراتها الثاقبة والمُتحدية، لكنها فشلت في مواجهته اكثر من ذلك.
زفرت بضيق وهي تتخطاه لتصعد السيارة
- ماشي، يلا
ابتسم برضا وهو يتمتم اثناء اتجاهه لمقعده خلف المقود
- يلا قبل ما نلاقي حد نطلنا
انطلق بالسيارة لمحطة الحافلات، التقط التذكرتين من جانبه ليعطيها لها قائلاً
- المفروض تحجزي قبل ما تقرري تمشي.
نظرت للتذكار واخذتها منه، تمتمت وقد شعرت بغباءها
- صح
ثم اتسعت مقلتيها وهي تنظر له وتهتف مُتسائلة
- هو انت هتيجي معايا القاهرة؟
- طبعاً
اجابها ببساطة، بينما فصحت عما دار في رأسها سابقاً
- كنت فاكرة انك هتوصلني للمحطة وبس..
- لا، فرصة اني ابقي معاكِ واعرف سبب رفضك
تباً لماذا هو صريح معها هكذا؟ ألم يفهم انها رفضته؟، ألم يفهم انها تهرب منه بذهابها للقاهرة! فأين الهرب إذ رافقها؟
انتقل لحديث اخر قبل ان ترد على قوله برد غير ودي ابداً.
- متقلقيش من ناحية ماما وبابا، سيبتلهم رسالة اننا رجعنا القاهرة عشان والدتك تعبت فجأة.
اكتفت بالإيماء برأسها وبصرها مُعلق بالطريق، بينما يُفكر عقلها، هل يجب عليها ان توقف السيارة وتترجل وترفض مرافقته؟ هل كان يجب ان ترد عليه وتوبخه؟ لماذا صمتت؟ هل لانها تعلم ان لا فائدة من الهرب ام لانها رغبت في سماع تمسكه بها؟، تباً لماذا هي مُناقضة لنفسها بهذه الطريقة المُزعجة!
ضربت رأسها بالزجاج بخفة وهي تُطبق جفونها، لا تفهم نفسها وهذا يُثير جنونها.
تطّرق عمر فجأة لحديث جديد.
- رضوى طلبت مني نبقى صحاب..
ضمت يارا قبضتها وهي تفتح عينيها، هل بعقله يتحدث معها عن رضوى!، ازدردت ريقها وهي تسأله بجفاء
- وبتقول لي لية؟
- عايز اعرف رأيك
اخبرها بصدق، فردت بنفس جفاءها الذي لم يقل
- اعتقد اننا مش قريبين من بعض عشان ناخد رأي بعض في حياتنا الخاصة
- ما انتِ جزء من حياتي الخاصة...
حدقت به بعد قوله الحاني، بينما أضاف وهو يبتسم ونظراته تنتقل بين الطريق وبينها
- فبالتالي هاخد رأيك فيها.
رمشت عدة مرات وقد تملكها التوتر فأشاحت بوجهها سريعاً للناحية الأخرى، وقد تذبذب داخلها، انه ذو لسان معسول، انه ماهر في خداع الجنس الاخر، يجب ان تحذر.
انتشلها اتصال ملك من حالتها تلك، ردت سريعاً فهذا الاتصال هو نجاتها من إكمال الحديث معه.
- اخيراً سمعت صوتك يا ملك
ردت ملك بصوت باكي
- محتاجاكِ جدا يا يارا
سألتها يارا بقلق
- في اية؟ بتعيطي لية؟
- مشوفتيش اللي حصلي يا يارا، مشوفتيش بابا عمل اية، هو السبب في اللي انا فيه دلوقتي
- طب اهدي بس وقوليلي حصل اية؟
اخذت ملك تسرد لها ما حدث منذ البداية دون ان تقاطعها يارا، صُدِمت الاخيرة من كل هذا الذي حدث خلال الايام القليلة التي لم تتحدث بها مع ملك، انهت الاخيرة سردها وهي تشهق في البكاء، حاولت يارا تهدأتها دون ان تعلق على تلك الاحداث ابداً.
- انا هرجع النهاردة، هجيلك البيت اول ما اوصل، فأهدي كدة عقبال ما اجيلك وابقى جنبك
- حاضر، هستناكِ
انهت يارا المكالمة معها ونقلت نظراتها المُتهمة ل عمر، وقد لاحظها فسأل
- في اية؟ بتبصيلي كدة لية؟
سألته وهي تضيق عينيها
- كنت عارف؟
- عارف اية؟
- ان إياد أتقدم ل صاحبتي ملك؟
ارتفعا حاجبيه بذهول قائلاً بعدم تصديق
- نعم!، أتقدم؟ أتقدم خلاص؟
رمقته بشك وهي تتهكم
- مكنتش تعرف يعني!
اكد لها بصدق.
- اخر مرة اتكلمت فيها معاه كان رافض الموضوع ورافض الموقف اللي حطه فيه ابوها، بس معرفش انه وافق وراح لها
غمغمت وقد صدقته، فأردف مادحاً بصديقه ليُطمأنها
- إياد كويس جدا وراجل، مدام خد خطوة زي دي يبقى داخل جد، رغم انه كان يعرف بنات كتير بس شهادة حق انه ابن ناس ومكنش بيلعب بيهم، واكيد مش بيلعب بصاحبتك
أضاف على حديثه
- يعني لو مروان هقولك ماشي لانه فعلاً صايع وبيكلم مية واحدة في وقت واحد، فهو غيرنا..
- وانت؟ زي مروان ولا إياد!
خرج قولها منها بتلقائية ندمت عليها، ابتسم عمر هامساً بتساؤل
- تفتكري اية؟!
لم ترد، نظرت للناحية الآخرة بينما قال
- واحد كان متمسك بحبه الاول لفترة طويلة هيبقى زي مروان مثلاً؟
كان قد وصل للمحطة فأضطر ان يُنهي حديثهما ويوقف السيارة جانباً، ترجلت واخذت حقيبتها، طلب منها ان تنتظره حتى يذهب ويعطي مفتاح السيارة لأحد اقارب صاحبها كالمتفق.
بعد دقائق عاد لها، تابعته وهو يتقدم منها ودقات قلبها تتسارع، كم هو جذاب بهذا الشورط الجينز وقميصه الازرق، عينيه اللامعة ببريق مميز تستطيع ان تراه حتى من بعيد، كذلك شعره المُبلل الذي لم يصففه، حتى انه اجمل هكذا؟
اتسعت مقلتيها حين ادركت ما تفعله، لقد تفحصته وتغزلت به؟، هل جُنت؟، استدارت وسارت بخطوات مُتسارعة لإحدى الحافلات، فهتف
- مش دة، اللي جمبه.
غيرت خط سيرها الخاطئ لتسلك الصحيح، انتظرته امام الباب حتى يصعدا معاً فالتذاكر معها؛ جلسا بجوار بعضهما وبدأ في الحديث معها حين تحركت الحافلة، كان بتحدث بنبرة منخفضة
- ممكن ندي لبعض فرصة..
- لا
تخطى رفضها واكمل
- نحاول نتعرف على بعض و..
- قولت لا
تجاهلها للمرة الثانية ليكمل
- ممكن لما تقربي مني تحبيني و..
قاطعته بضيق
- مش اتفقنا انك هتتصرف بمشاعرك بعيد عني؟
- اولاً متفقتش معاكِ على حاجة، ثانياً مش هقدر، انا مش من النوع اللي يقدر يتصرف بمشاعره وينهيها بالبساطة دي
ردت بداخلها بإستياء
- وانا زيك عشان كدة مش عايزة اضعف نفسي وأمشي في طريق عارفة ان صعب اخرج منه
نقلت بصرها له وسألته
- مش خايف ان مروان يكشف حقيقتي لأهلك او يقول ل رضوى؟
- مش هيقدر يقول لأهلي لانه وقتها هيخسر فرصته معاكِ
غمغمت بتفهم، بينما نظر لها وقال بشك
- افهم من سؤالك انك رافضة بسبب اهلي؟
أنكرت سريعاً
- لا طبعاً
صمت لوهلة قبل ان يسألها
- طب انتِ مُعجبة بيا؟
اجابته بثبات وهي تنظر امامها
- لا
- مش مستلطفاني حتى؟
- لا
ابتسم بخبث وهو يميل قليلاً
- مش بتكرهيني طيب؟
- لا
اجابته دون تفكير، وحين فهمت سؤاله صححت اجابتها سريعاً
- اة، بكرهك
ضحك بإستمتاع وقال مُعترضاً
- الرد الاول احق
عضت على شفتيها وقد شعرت بغباءها.
مر الوقت وقد نامت، ايقظها حين توقفت الحافلة في مكان الاستراحة، ترجلا مع الرُكاب ودخلا للمقهى ليجلسا، سألها عما تُريد شربه
- عايزة شاي
عاد بعدها بلحظات ومعه كوبين من الشاي، قدمه لها ثم جلس مُقابلاً لها.
- هو انتِ خايفة؟
فجأة خرج منه سؤاله الغير مفهوم، عقدت حاجبيها واستفسرت
- خايفة؟ من اية؟
رفعت الكوب لتحتسي منه القليل، وتوقف السائل في منتصف حلقها حين وضح
- من انك تدخلي في علاقة معايا؟
سعلت بقوة وكادت ان تختنق، فأسرع ليجلس بجوارها ويضرب بخفة على ظهرها بينما يده الأخرى تفتح زجاجة الماء لها، بعد ان شربت القليل من الماء سألها بإكتراث
- بقيت كويسة؟
اومأت برأسها فتنهد براحة ثم اكمل بحدقتين صادقتين
- يعني عايز اطمنك، متخافيش مني، من علاقتي معاكِ، مش هأذيكي ابداً، هحترمك وهصونك ومش هخذلك، هكون صادق معاكِ و..
مد كفه ليلتقط كفها بحنان، انتقل لنقطة اخرى تُظهر تذبذبه، وحدقتيه تخبرها ان تثق بكل كلمة يقولها
- انا فعلاً فعلاً عايزِك، عايز اقرب منك واعرف كل حاجة عنك، عايزك في حياتي، مش متأكد إذ كان حب ولا لسة موصلتش للمرحلة دي ولا وصلتلها واتخطيتها!، انا نفسي مش عارف بس اللي متأكد منه اني..
تأثرت، هاجمتها مشاعر تخاف ان تشعر بها، ستضعف، امام صدق حدقتيه وكلامه الذي يصل لها كوعود منه، سيُهدم جدارها، لتظهر لها حقيقة مشاعرها لتزداد خوفاً، ظهر ارتباكها جلياً على ملامح وجهها وبطريقة سحبها لكفها، وإبتعادها بل ركضها لتهرب منه لتصعد للحافلة مرة اخرى.
ظل جالساً مكانه، لم يلحق بها حتى لا يضغط عليها اكثر، لكنه كان سعيد من رد فعلها الذي جعله يتفائل.
مرت خمسة عشر دقيقة وأعلن السائق عن إنطلاقه، فصعد عمر الحافلة وجلس بجوارها، كانت نائمة، بل تُمثل النوم حتى لا تواجهه وهو يعرف ذلك مُجدداً، فأبتسم بسعادة خبيثة وظل يتأملها حتى نام هو دون ان يشعر، وقد سقط رأسه على كتفها ففتحت عينيها ببطء وحذر فوجدته نائم، تنهدت براحة، تستطيع الان ان تجلس براحة.
كادت ان تُبعد رأسه عنها لكنها تراجعت، اعادت رأسها للخلف وحدقتيها مُعلقة على صورته المُنعكسة على زجاج النافذة، بينما عقلها يفكر ويواجه حقيقة انها تشعر بالإنجذاب له!
بعد مرور خمس ساعات، وصلا للقاهرة.
اخذت يارا حقيبتها واتت ان تغادر لكن عمر اوقفها قائلاً
- استني اياد جي وهيوصلنا
احتدت حدقتيها وهي تخبره
- بلاش أقابله عشان هاكله وهو حي، ماشي!
اقترح سريعاً
- خلاص، تعالي اوصلك
- لا..
اعترضت واضافت بتردد وهي تجول بنظراتها حولها
- بس لما اتصل بيك، رد
عقد حاجبيه بعدم فهم، وقبل ان يسألها كانت قد ابتعدت، أوقفت سيارة أجرة وصعدتها، أعطت السائق العنوان وطلبت منه..
- استنى دقيقة، ولما اشاورلك تتحرك يبقى أتحرك
- حاضر
اخذت نفساً عميقاً وهي تضغط على زر الاتصال، أغمضت عينيها بقوة وهي تضعه على اذنها ودقات قلبها مُتسارعة، شعرت بالحرارة تصعد لوجنتيها حين وصل لها صوته، لكنها استجمعت شجاعتها، لن تنسحب الان فقد قررت وانتهى الامر
- انا، موافقة..
قالتها وهي تحرك حدقتيها ببطء لناحيته، ملامح وجهه المصدومة جعلتها تتوتر اكثر، بعد لحظة وجدته يسألها بعدم تصديق، ولهفة.
- نعم!، بتقولي اية؟ موافقة؟ بجد؟ موافقة؟
حركت رأسها وهي تبتسم بإرتباك، سمعت ضحكاته عبر السماعة ووجدته يركض لناحيتها فأسرعت لتُشير للسائق لينطلق ثم اغلقت الخط، وضعت كفيها على وجهها وهي تضحك بخجل وتبكي!، هل وافقت حقاً!
تااابع ◄ لروحك عطر لا ينسى