-->

رواية لقد كنت لعبة في يده الجزء الخامس عشر

 

 العقل مايتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات، والكيد ما تتميز به النساء عن الرجال.
جلست أمام المرآة العريضة تمشط خصلات شعرها الفحمية الغزيرة وعيناها تلمعان في ضوء الحجرة الخافت ألقت نظرة بطرف عيناها نحو الشرفة ويبدو أنه تناول كمية لا بأس بها من السجائر.



إذ بدأ في السعال فبعد طاولة عشاء صامتة قضاها برفقة أبناءه وبرافقتها يتحاشيا النظر لها عن عمد إستشعرته
صعدا للغرفة ونأى كل منهما بجانب فهو اتخذ الشرفة أما هي فمتعت نفسها بحمام طویل دافيء، لا تنكر أن أفكارها السلبية أوشكت على النيل منها ولكنها تتمتع بعقل فذ جعلها تؤخر تلك المواجهة فهي وإن كانت الزوجة الوحيدة، فهي الثانية بعد رحيل البدينة.

سنوات جمعتهما فأدمنها وحسب كإدمان الرجل لغيلونه ويلزمه بعض الوقت للتخلص من ذاك
الإدمان والتخلص منه لا يتأتى إلا عبر إدمان من نوع آخر قامت بعدما انتهت من زينتها ومضت نحو الشرفة شعر بحركتها
الحثيثة نحوه، فارتسم على وجهه معالم الحنق والغضب، إنه مستعد الآن لإلقاء اللوم عليها أو تفريغ شحنة غضبه بها ولكنها أخبرته قبلا أنها ليست
" بكيس ملاكمة " فاقتربت منه ومسدت عضلاته ولكنها نالت النفور والابتعاد والتفت له وعيناه تبرقان في ظلام الليل الدامس:

- عاوزة إيه يا داليا ؟ نکست عيناها بحزن مرسوم بدقة وقالت بصوت عذب:
- عاوزة راحتك ياجاسر
عقد حاجبيه وارتسمت على وجهه ملامح الحيرة ثم ابتسم فاكها
- لعبة جديدة ؟ !
فغر فاهها ثم زمته بضيق:
- أنت عاوزنا نتخانق صح، هوا ده عقابي عشان أنا متفهمة اللي

أنت بتمر بيه وباجي على نفسي عشان خاطرك نفث سجائرة ومضي يراقبها بأعين ضيقة ثم قال بصوت متمهل:
- احنا الأتنين فاهمين بعض كويس يا داليا والكام يوم اللي فاتو أنت شوفت جاسر مختلف أنا نفسي ماعرفوش، والمثل بيقول
خليك مع اللي تعرفه . جوازنا كان صفقة وتمت ماتحوليهاش لقصة حب وتقحمي فيها غيرة أنا مش هقبلها، ده لمصلحتك
عقدت ذراعيها وقالت: - صح صفقة وتمت بس عشان تكمل صح لازم نحط النقط على الحروف یا جاسر، أنا في الأول والآخر أبقا مراتك وليا عليك
حقوق زي ما أنت ليك عليا.

دعس سيجارته بقدمه وقال منهيا الحديث:
- لما حق من حقوقك ينقص ابقي تعالي اتكلمي ثم تركها خلفه ومضي لداخل الغرفة ووقفت هي تهتز بإنفعال
مكتوم وفعليا تكبح دموع القهر بعيناها.

الصباح بداية كل يوم والبدايات دوما لها بريق واعد يمحو ببهائه خيبة نهاية ليلة سابقة نظر في ساعته لقد أوشك أن يتم ساعة كاملة من الجري المتواصل بمضمار الجري بأحد نوادي الأسكندرية العريقة وبعدها يتجه لغرفة التدريبات ويمضي نصف ساعة أخرى مع إحدى الأجهزة الرياضية أشار بكفه لصديقه الذي يراه قدرا من حين لآخر بتحية ودودة.

وتقدم منه الآخر ليصافحه قائلا: - إيه ياعم بشوفك كده صدف دايما قال كریم وهو يبتسم:
- أعذرني والله طارق أنت إيه أخبارك، سمعت أنك سيبت الجيش وفتحت شركة أمن
هز طارق رأسه:
- یعني تغيير والدنيا ماشية ما فضلش غير العروسة
ضحك کریم وقال: - شد حيلك طيب وافتكر أخوك
نظر له طارق وهو يهز رأسه مستنكرا:
- ده على أساس التلوتميه اللي جابتهم الست الوالدة دول كانوا أثروا فيك
فرد الآخر ساخرا: - يابني أنا ماعرفش اتجوز زيكم صالون واتنين شربات ونقره الفاتحة، اللي اتجوزها دي لازم تكون قرياني وأنا قاریها، إنما شغل شرا البطيخ ده وتطلع في الآخر قرعة . . .

قاطعه طارق ضاحكا:
- قرعة . . الله يسامحك . .
ضاقت عینا کریم: - إييه، شكلك لقيت العروسة ياسيادة العقيد مضى طارق في طريقه متمهلا وإلى جواره کریم ثم التفت له قائلا:
- والدها إنسان عزيز عليا وفي البداية أنت عارفني أنا ليا طلبات محددة بس هيا طلعت مختلفة بكل المقاييس ده غير أن راسها
ناشفة نظر له کریم والفضول يتاكله: - وأكيد أكتر حاجة عجبتك فيها راسها الناشفة
قال طارق دون موارية: - أرمله معاها ۳ صبيان، والدها كان واعدني أنه هيخليها تسيبهم معاه لكن من الواضح أنه مش عارف بيتكلم عن إيه
هز کریم رأسه مؤكدا:

- طبعا، هيا فيه أم بتسيب ولادها وخصوصا لو كانت أرملة
رفع طارق حاجبيه: - ده غير أن باباها مثلا لو قال شمال تبقي هيا يمين فورااا
ضحك کریم متفكها: - خالف تعرف يعني، بس مش فاهم إزاي التركيبة دي ركبت معاك . بخلاف أنك مش بتطيق دوشة العيال كمان أنت مابتحبش الجدال ولا المقاوحة رفع طارق أنظاره للسماء مبتهلا وهو يتنهد:
- أهو ده اللي هيجنني مش قادر أشيلها من دماغي ضحك کریم من مشهد صديقه اليائس من حاله حتى وقعت أنظاره عليها تسير برفقة إحداهن نحو صالة الألعاب فتوقف عن الضحك فجأة فقال طارق متعجبا:

- إيه مالك ؟
التفت له کریم:
هه مافيش، بقولك تعالی نلعب شوية أيروبكس شكلك مش تمام
حملق به طارق موبخا:
- ده أنا برضة طب تعالى وأنا أوريك دخلت سالي الصالة وتبعتها آشري التي قالت:
- بجد ياسالي ماتتصوريش فرحت أد إيه لما شفت نمرتك الصبح
فالتفتت لها سالي بإبتسامة صافية: - ليه يعني ماكنش عيش وملح وبعدين أنت أكتر من أخت لیا یا
آشري ریتت آشري على كتفها قائلة: - وأنت أختي الوحيدة، وأردفت بقصد الممازحة:
- أصلا فابتسمت لها سالي:

- طيب تعالي بقا عشان احنا جايين نتمرن أصلا، قدامي يادوب ساعتين عشان ألحق أروح الشغل صعدت آشري على آلة الجري وهي تقول هاتفة:
- بجد، ماقولتیش یعنی بدأت سالي في تدريبات الإحماء على الآلة المجاورة لها: - ده يادوب کان امبارح وماتتخيلیش جت صدفة كده إزاي رمقتها آشري بنظرة محققة قائلة بأمر ثابت:
- احکیلی بالا

كعادتها تمضي كل صباح لغرفتها بهدوء تام واقتربت من مخدومتها التي كانت لا تزال نائمة فأوقظتها برفق وهي تضع طعام الإفطار إلى جوارها، فقالت سوسن: - أنا نايمة بقالي أد إيه بانعمات ؟
ابتسمت لها نعمات وقالت:
- مابقالكيش كتير، الولاد لسه نازلین مدارسهم من خمس دقايق رفعت سوسن ظهرها وجلست رافعة رأسها بكبرياء تود السؤال عنه ولكن لسانها لا يطاوعها فتطوعت نعمات بمنحها تلك
المعلومة التي تشتاق لسماعها: - جاسر بيه قالي أطلعلك بالفطار الأول وهيعدي عليكي قبل مايروح شغله، أما الهانم التانيه ففطرت ونزلت من بدري
زمت سوسن شفتيها قائلة بتبرم:

- ومابتقعدش تفطر مع جوزها ليه ؟ فقالت نعمات والضحكة تكاد تفلت من ثغرها وهي تناول
مخدومتها فنجان الشاي الساخن كما تحب: - قعدت تستناه يجي نص ساعة بس هوا كان في مكتبه
ماخرجش غير بعد ما مشيت تنهدت سوسن وتظاهرت بمزيد من اللامبالاة وداخلها يرقص
طربا ثم قالت نعمات فجأة: - أنا فيه حاجة عاوزة أقولك عليها بس عاوزة منك وعد إنك . . . .
صمتت نعمات ولم تدري كيف تكمل جملتها فنظرت لها سوسن
محملقة بها لكأنما جنت: - جرى إيه يانعمات أنت مستنياني أديكي الأمان ؟ ! !

ردت نعمات: - لا أبدا ما قصدتش قصدي، أنك تاخدي الموضوع بالراحة
يعني منغير إنفعال عشان خطر عليكي وضعت سوسن الفنجان في الصينية بهدوء قائلة: - اتفضلي احكي، أهو شيفاني لا اتجننت ولا بشد في شعری
أخفضت نعمات رأسها قائلة: - العفو يا سوسن هانم أنا ماقصدش، كل ما في الموضوع أن الست سالي جت امبارح بعد مالولاد رجعوا من المدرسه غدتهم
وذاكرتلهم وروحت بالليل على الساعة ستة ظلت سوسن صامته وقد التمع التقدير بعيناها وقالت موبخة لنعمات:
- طب وفيها إيه مش أمهم، حقها وبعدين عشان خاطر الولاد
فرفعت نعمات رأسها وقالت مؤكدة: - أيوا طبعا وهيا قالتلي أن ده هيكون النظام كل يوم والسبت
هتبقا تشوف الولاد في التمرين في النادي.

هزت سوسن رأسها بتقدير وقالت كأنما تقر واقعا: - والجمعة يروحلها يباتوا معاها والسبت يطلعوا على النادي سوا وبعدها يرجعوا على هنا
قبضت نعمات على كفها وقالت بصوت هامس: - ماهو اللي حصل أن جاسر بيه رجع فجأة امبارح وشافها ووقفوا مع بعض وشكلهم في الآخر شدوا مع بعض عشان سمعتها بتقوله
، أعلى مافي خيلك اركبه یاجاسر ابتسمت سوسن إبتسامة واسعة قالت بسعادة غير مصدقة:
- قالتله کدة فعلا ؟ ! أكدت لها نعمات:

- ایوا، فأنا خايفة لا جاسر بيه مايرضاش و . . قاطعتها سوسن بإشارة لا مبالية من يدها وكأنما أمر رفض جاسر
غير وراد على الإطلاق قائلة: - ابعتيهولی دلوقت، هاه فيه حاجة تانيه قبل ماتمشي وناسيه تقوليها ؟
رفعت نعمات صينية الطعام وقالت نافية:
- أنا مانساش حاجة فاضل بس سي أسامة اتصل وكان عاوز يجي هو وزياد بيه امبارح قلتله أنك نايمة
أشارت لها سوسن آمرة: - اتصلي بيه وقوليله يجي النهاردة هوا وزياد الساعة تمانية
بالدقيقة نتعشا سوا هزت نعمات رأسها قائلة: - حاضر تحت أمرك ياسوسن هانم
ثم انصرفت تاركة سوسن ولازالت الإبتسامة تزين ثغرها ووجها المشرق بتلك الأحداث الأحداث الأخيرة تطالع أفرع الشجرة
أمامها بنظرة راضية

كان مايلزمه كوب من الماء البارد صبه كله فوق رأس أخيه الغارق
بسبات نوم كأهل الكهف فهب الأخير منزعجا:
- إيه يا أخي ده حد يصحي حد كده، حرام عليك يا أسامة والله قال أسامة وهو يرتشف قدحه من القهوة التركية بهدوء لا مبال: - بقالي ساعة رايح جاي عليك . ولا كأن عيل بقومه عشان يروح حضانته
نفض زیاد شراشف الفراش المبتلة حانقا: - ماهو أنا اللي استاهل من بكرة هشوفلي شقة أقعد فيها
تجاهل أسامة تهديده الفارغ وقال:
- اتشطف وافطر يالا عشان ننزل
عقد زیاد حاجبيه وهو يجذب منشفة نظيفة من الخزانة ويضعها
حول كتفه قائلا:

- لا أسبق أنت عندي مشوار لازم أعمله الأول
ضاقت عينا أسامة وقال:
- آشري برضة
فابتسم زیاد ساخرا: - لا مش آشري مش عاوزة ترجع إن شالله ما رجعت، أنا هروح الشقة أخد بقية حاجتي وورقي، خلينا نخلص بقا
مط أسامة شفتيه غير راضيا وقال: - ماتاخدكش الجلالة أوي أنت غلطت كتير ومراتك معاها حق
في اللي عملته التفت له زياد غاضبا: - تکرشني من بيتي ؟ ! فاقترب منه أسامة قائلا:
- أنت تخونها وعاوزها تاخدك بالحضن

فرد زیاد معاندا:
- أنا ماخونتهاش
فقال أسامة غير مصدقا: - لا والله وبتسمي اللي عملته ده أيه ؟ ! فعقد زیاد حاجبيه وقال بنفس الغضب الأعمى: - اللي عملته حاجه واللي حصل فعليا حاجه
رفع له أسامة يده مستسلما قائلا: - أنا همشي عشان أنت الكلام معاك بيوترني وأنا صاحي مزاجي
رايق، سلام القي زياد عليه السلام متبرما ومضي ليغتسل
ورأسه لازال يدور به تلك الفكرة الخرقاء بكونه ضحية بريئة !

راقبت آشري وجهها المتعرق قائلة: - كفاية ياسالي أنت بتهلكي روحك
هتفت لها سالي بأنفاس متقطعة: - بالعكس أنا مبسوطة جدا حاسة أن جوايا طاقة غير عادية
رفعت آشري يدها باستسلام قائلة: - أنا خلاص مش قادرة هروح أغير وهحصليني هاه، عشان
تلحقي شغلك هزت لها سالي رأسها دون کلام ولم تلحظ ظل آخر جاورها على
نفس الآلة إلا بعد أن قال: - صباح الخير يادكتور إيه النشاط ده ؟ التفتت له سالي دهشة وقالت بإبتسامة خجولة:
- دکتور کریم ! ! صباح الخير قال كريم ممازحا وهو لا زال يسير بسرعة بطيئة بالمقارنة بها:
- ده احنا شكلنا النهاردة فترة مسائية

هزت سالي رأسها نافية: - لاء ماتقلقش عشرة بس وطيران على المركز
قال کریم: - ياستي براحتك هوا المركز هيطير إنما أنت عضوة هنا من أمتی
، مافتكرش إن شوفتك هنا قبل كده ؟ كادت أن تهتف به " من ساعة ما اتجوزت " ولكنها قالت بألم: - من زمان . . بس ماكنتش باجي كتير إلا عشان الولاد إنما بقيت مواظبة من فترة.

قال كريم بتقدير: - لا بس برافو عليكي، الرياضة مهمة جدا بتحسن الصحة والمود
ثم قال ممازحا: - ده غير كمان أنها بتقوي عضلاتك تعرفي تخلعي الضرس وأنت
مرتاحة ضحكت سالي وقالت:
- ده أهم حاجة فرد کریم ممازحا ولكن بنبرة صارمة:
- أيوا طبعا . الشيء لزوم الشيء نظرت سالي في ساعتها وأطفأت محرك الآلة قائلة:
- أنا همشي بقا فابتسم لها کریم مودعا: - مع السلامة يادكتور

أنهى مكالمة هاتفية مع درية التي كانت تطلعه على إحدى
مستجدات العمل الطارئة قائلا: - نص ساعة وهكون عندك وأول مايوصل أسامة تبلغيه والتفت لیری نعمات تحمل صينية الطعام وبعض الأطباق بها فارغة متجهة بها نحو المطبخ فقال مستوقفا إياها:
- صحيت وفطرت ؟
أومأت له نعمات قائلة:
- وعاوزاك فوق هز جاسر رأسه ومضي صاعدا الدرجات حتى وصل لغرفتها
طرقها بخفة ودلف قائلا:
- صباح الخير يا أمي قابلته بإبتسامة وإنما صارمة قائلة:
- صباح الخير ياجاسر اقترب منها وقبل كفها وجلس بجوار فراشها قائلا:
- هاه عاملة إيه النهاردة ؟

قالت مؤكدة: - أحسن الحمد لله، أنا قلت لنعمات تتصل بأخواتك يجو يتعشوا
الساعة ثمانية، عاوزاك تكون موجود
هز جاسر رأسه وقال:
- إن شاء الله
رفعت سوسن حاجبها وقالت بنبرة حازمة:
- كمان عاوزاك في حاجة مهمة حدق بها جاسرا وقال صاغيا:
- خير ؟
وضعت سوسن كفا فوق الآخر وعقدتهم وهي تقول يإصرار: - الولاد يروحوا يزوروا مامتهم کل جمعة يباتوا معاها ويرجعوا السبت
عقد جاسر حاجبيه وقال رافضا: - هيا بتجيلهم بعد الغدا وبتقضي معاهم اليوم مافيش داعي . . .
قاطعته أمه بصرامة: - تيجي أو ماتجيش الولاد لازم يباتوا على الأقل ليلة في حضن أمهم يحسوا بنبضها ودفا حضنها، الحرب اللي أنت أعلنتها عليها دي ولادك هيدفعوا ثمنها وعمرهم ماهيسامحوك على كل ليلة قضوها بعيد عنها.

هب جاسر واقفا وزعق بأمه دون أن يدري: - أنا اللي أعلنت الحرب ولا هيا اللي . .
قاطعته أمه: - رقم واحد ماتعليش صوتك أنا لسه ماموتش . . فهدأت خلجات جاسر واستكانت وتمتم قائلا:
- آسف فأردفت سوسن بهدوء:
- رقم اتنين، أنت اللي طلقت هم بإعتراض ولكنها رفعت يدها لتوقف تسرسل الكلمات من
بين شفتيه: - أيوا أنت، الست تطلب الطلاق مرة وعشرة وعشرين إنما ربنا خلى الراجل اللي بأيده الطلاق ومراتك طلبتها مرة وأنت ماتنتهاش
فهتف جاسر غاضبا:
- قدام الناس . . .

فقالت أمه مستنكرة:
- ما أنت اتجوزت عليها قدام الناس
رد جاسر هازئا:
- رقم واحد بعد ماقولتلها وهيا مارفضتش ولا اعترضت، رقم اتنين حقي
أغمضت سوسن عيناها فابنها لازال غارقا بوحل الكبرياء الأعمى لازال لايستطيع رؤية بأي هوة استقر جراء عناده ثم فتحتها وقالت:
- نفذ اللي بقولك عليه ياجاسر ولو مت قبل ماترجع أنت ومراتك لبعض اعتبرها وصيتي ليك، عشان خاطر سلیم، حرمته من أمه اللي ولدته مرة مش هيسامحك لو حرمته من التانية اللي ربته ابتعد جاسر بأنظاره عنها ومشهد تلك الليلة العصيبة التي مر بها منذ ثلاث سنوات عاد ليحيا من جديد
مشهد لسهيلة تحت الأمطار وهي تصرخ بجنون لكي ترى وليدها الوحيد الذي كان يراقبها وجلا من خلف النافذة العريضة بغرفته فخرج لها جاسر ليراها مترنحة ببقايا خمر ومخدر فسبته بأقذع الشتائم فنهرها وأمرها أن تبتعد بعنف وألا تعود مجددا وبالفعل لم تعد مرة أخرى إذ صدمتها سيارة مسرعة في تلك الليلة وفارقت و الحياة وأتاهم ذاك الخبر التعيس بعد منتصف الليل فهاتفها كان يحمل.

رقم هاتفه وفي اليوم التالي، تكفل بإجراءات الجنازة وحمل لولده خبر رحيل أمه بعد أسبوعان وطلب الصغير زيارة قبرها رغم
سنوات عمره الخمس وقتها بإصرار عجيب اصطحبه وظن أن سينهار باكيا كأي طفل في عمره على الأقل خوفا وهلعا من المشهد المهيب للقبور المتراصة ولكنه بقي صامدا وتلي بصوته
الطفولي الآيات الأولى من " سورة يس " أمام القبر ونظرات العجب كانت تطل من عين أبيه فأخبره صغيره أنه سالي من قامت بتلقينها له عاد جاسر لواقعه والتفت لأمه التي كانت تراقب إنفعالات
وجهه في إشفاق تام فقال مذعنا:
- الخميس بالليل هاخدهم أنا يباتوا معاها وأرجع أخدهم السبت
آخر النهار، کویس کده هزت له أمه رأسها راضية وراقبت انصرافه بأنفاس لاهثة بعض الشيء فرفعت البخاخة التي تستعملها من حين لآخر عندما تعجز
عن التنفس لتستنشق ذرات العقار بتعب

حياه موظف الأمن بالبناية الضخمة بحرارة واتجه بعدها للمصعد وصعد للطابق الذي يحوي شقته أو ماكانت يوما
دفع الباب ودلف وهو يتمتم ساخرا: - والله كتر خيرك يا آشري إنك ماغيرتيش الكالون فتح النوافذ ومضى نحو غرفة النوم ومضى يقذف أمتعه بإهمال
في الحقيبة التي كان يحملها وبطفولية تجري في عروقه اتجه نحو خزانتها يعبث بمحتوياتها
مستمتعا، فهو يعلم أنها تشتاط غضبا من تلك الأفعال الصبيانية خاصته
وأثناء عبثه اصطدمت يده بصندوق مخبأ بين أمتعتها فعبس ومد يده ليقحمها كليا حتى استخرج صندوقا من ورق مقوى فتحه وأخذ ينشر محتوياته على الفراش حتى عثر على مظروف أبيض

خط على رأسه اسم أحد المعامل الشهيرة بالبلد وتحتها اسمه کاملا فاستخرج الأوراق الطبية منه ليطالعه بأعين يائسة ولم يفقه
شيئا منه، فحمله ووضعه في جيب سترته الداخلي وعاد لينظم أمتعتها من جديد وأعاد كل شيء لمكانه حتى الصندوق وضعه تماما حيث كان فهو برغم كل مساوئه إلا إنه يتمتع بذاكرة فولاذية
في صغره كان يعشق مشاهدة تلك اللعبة ويشعر بسعادة بالغة في رؤية أحجار " الدومينو " المتراصة ذات اللونين الأبيض والأسود
تتساقط حجرا تلو الآخر بتتابع مثير للاهتمام لتنتهي لتلك الفوضى الرائعة بعكس أخيه الأكبر الذي كان يراها لعبة سخيفة إذ يبذل لاعبيها جهدا فائقا برص تلك الأحجار المتناغمة برقعة واسعة للغاية قد تصل لأمتار وتتطلب منهم جهدا خرافيا وساعات من العمل الدؤوب وأيام طويلة ينهيها أحدهم بإيقاع حجر واحد
فتسقط بقية الأحجار بالتتابع فما فائدة البناء إن كان بالنهاية مصيره الهدم وكيف الحصول على اللذة بالسقوط والخسارة ؟ ! !

ولأول مرة بحياته يراه محقا إذ تتوالى أركان حياته بالسقوط حجرا تلو الآخر وكأنما کیانه يفقد
جزءا بعد جزء
والسقف الذي كان يحميه يخر على رأسه فمنذ قليل خرج من عيادة طبيب الخصوبة الذي زاره منذ أربعة أعوام منصرمة والذي ما أن رآه وبحوزته ذاك المظروف الذي أخرج محتوياته ونثرها أمامه مطالبا بتفسير، حتى ابيضت معالمه.

وأقر بالحقيقة كاملة وأخبره أنه لم يقصد إلحاق الضرر به، بل كانت تلك رغبة زوجته فهي من رجته بإبقاء الأمر سرا بينهما كي
لا تجرح مشاعره وتشعره بأي نقص فكذب عليه وأخبره وقتها أنهما الإثنان بخير ولا شيء يحول دون إنجابهما لطفل سوى أن
إرادة الله لم تحل بعد واليوم سقط ذاك السقف الواهي الذي شيدته آشري بمفردها وبات يشعر بالنقص فهو من يعجز عن منحها طفلا ورغم ذلك لم
يتوانى عن أذيتها بالكلمات المهينة كلما أراد إفتعال شجارا وإلصاق التهم بها للفرار من أحد مصائبه السوداء على حد تعبير "أسامة "
وإلقاء اللوم عليها بفشل زيجتهما.

وتوقفت قداماه عن السير دون هدى عندما تعالی رنين هاتفه ورای اسم أخيه يلمع في الظلام الذي يحيطه رغم سطوع شمس
الظهيرة فرد قائلا بصوت متحشرج:
- أيوه، خير يا أسامة ! أتاه صوت أخيه قلقا:
- مالك یا زیاد ؟
فرد بصوت تائه: - مافيش، خیر عاوز إيه ؟
عبس أسامة وقال: - ماما عاوزانا على العشا الليلة ما تتأخرش فهز رأسه شاردا وقال دون جدال:
- حاضر، سلام
وضع الهاتف بجيب سترته والتفت حوله يبحث عن سيارته فوجدها على بعد أمتار خلفه فعاد بخطوات حاسمة نحوها ثم انطلق بها حتى عاد مرة أخرى لشقتهما، فتلك المواجهة يجب أن تتم

رغم أنه لم يستمع لأي من أغاني المطرب الراحل عبد الحليم حافظ منذ فترة لا بأس بها إلا أن ذاك اللحن الشهير لأغنيته " أي
دمعة حزن لا يكاد لا يفارق رأسه تأمل كلمات الأغنية الساحرة فسخر من نفس لتعلقه السخيف بأذيال لحنها فهو لم يداويه الزمن بعد وما يشعر به أبعد ما يكون
عن معاني الحب السامية هو فقط يستمتع بمشاكسة درية من حين لآخر، فكأنما تلقي في حياته الراكدة حجرا صلدا يثير تموجات تشعره أنه لازال على قيد الحياة وعندما يسأم من تلك اللعبة ينتقل للعبة القط والفأر مع الطبيبة الحسناء.

ولكن ما يؤرق ضميره شعوره بالنفاق إذ عين نفسه قاضيا وجلادا على أخيه الأكبر ووصيا على حياة الأصغر وهو الذي يخلد لفراشه ليلا بمهدئات تساعده على نيل قسط من النوم والراحة، ومع ذلك يتيه بأحلام تجمعه بصغيرته وزوجته الراحلة وأعظم ما يقاسيه خلال تلك الغفوة المتقطعة نظرة اللوم بعيناها فيستيقظ في اليوم التالي عازما على الإستقامة بحياته وفرض تلك الإستقامة على الآخرين حوله ولكنه سرعان مايشعر بالعجز والوحدة فيعود تائها متخبطا بين تلك اللعبتان.

وهاهي أقدامه تسوقه نحو من تلقي نحوه دوما بالأحجار أنظارها منصرفه عن الحاسوب لشيء ما بالأسفل وعندما اقترب أكثر ارتسمت ابتسامة واسعة على محياه وهو يطالع الصغير
المشاكس قائلا:
- أيهم بيه عندنا يا مرحبا يا مرحبا رفعت دریه له رأسها وقالت زاجرة وهي ترفع يدها لتوقف تقدمه:
- أنت جاتلك الحصبة وأنت صغير ؟
عقد حاجبيه ليستدعي تلك الذكري الحمراء البغيضة فقال متعجبا:
- تقریبا آه جت لزياد وعدانا كلنا . . ليه ؟ ارتسمت ملامح الإطمئنان علي وجهها وعندما اقترب أكثر أزاحت سترة الصغير عن كتفه لتظهر بقعة حمراء مماثلة لما تعرض لها في صغره وقالت بحزن:
- مانفعش أوديه الحضانة وعندنا شغل متلتل جيبته معايا لاحظ أسامة نظرات الصغير العابسة لكأنما توشمه أمه بذنب لا يد له فيه فقال أسامة بنبرة حنونة: - یعنی هوا كان ذنبه، وبعدين عادي كل الأطفال بتجيلهم، ثم وجه حديثه لأيهم الصغير قائلا:
- قوم یالا قاعد كده ليه ؟ !
وارتسمت ملامح العبث الطفولية والشيطانية في وقت واحد على وجهه فابتسم بسعادة

قائلا بفضول:
- هنروح فين ؟
زعقت دريه به: - مش هتروح في حته هتفضل قاعد هنا جمبي، والتفتت زاجرة لأسامة:
- بدال ما يعدي حد ارتفع حاجبي أسامة تعجبا وقال بنبرة لا رجعة فيها: - أنت مالك بتعامليه كأنه وباء، دي حصبة، هيجي معايا واعتبري ده أمر من عضو مجلس إدارة ولا مش متطمنه عليه معايا
شعرت درية بالحرج وقالت:
- لا أبدا بس . . قاطعها أسامة بإقتراب حميم قائلا بهمس خافت:
- ما بسش يا درية لا تعلم لم تواردت كرات الدم الحمراء لوجنتيها كافواج کاسحة ولكنها تعزي ذلك التدافع لنظرة عيناه الجريئة ونبرة صوته العذبة
واسمها الذي انساب من شفتيه كلحن راقص
فهربت بأنظارها بعيدا نحو الصغير الذي اعتلى ذراعه قائلة بتحذير هادیء:
- خليك مؤدب يا أيهم هز الصغير رأسه ولم ينظر مرة أخرى لأمه حتى مودعا، وفكره منصب بالكامل على الضخم الذي يحمله بسهولة مطلقة يسأله:
- هنروح فين ؟ واستطاعت سماع ضحكة أسامة وابنها عبر المصعد المغلق خلفهما
فشعرت بطمأنينة فعادت لممارسة عملها

في حياته لم يسترق الأنظار لإمرأة قط، فهي بعرفه وقاحة بالغة
وسوء أدب ولكنه لا يدري ما الذي أصابه مؤخرا فهو ضبط عيناه تسوقه لمحياها مرتان وتلك الثلاثة منذ أن دلف للمركز منذ ساعة
ولكنه هز رأسه نافيا تلك الأفكار السخيفة بنظره، فهي طبيبة حديثة وعليه مراقبتها لضمان مستوى طبي أفضل لمرضاه ليس أكثر
وبعدها أخذ قراره بالاقتراب منها والتمتع بحق المراقبة عن قرب فهي منشغلة بحالة طفلة في السادسة من عمرها تحدثها بلطف
أثناء تخديرها والطفلة سعيدة بالحوار للغاية إذ أنها لم تلحظ حتى السن المعدني المدبب الذي انغرس بلحم لثتها دون هوادة فابتسم بعمق وأشار للطفلة بعلامة النصر لدى خروجها من غرفة

العيادة الصغيرة ثم قال: - واضح إنك شاطرة مع الأطفال
فابتسمت سالي مجاملة: - يعني مش أووي بسترجع لسه معلوماتی ثم انصرفت لأدواتها لتأمر الممرضة المرافقة لها بتنظيم بعضها
فقال: - یاریت بعد ما تخلصي کشف يا دكتورة تعدي عليا فالتفتت له سالي قائلة بتوجس:
- خير ؟ ! ابتسم لها إبتسامة واسعة وقال:
- خیر طبعا، ماتقلقيش، في انتظارك

هزت سالي رأسها بهدوء وحينها قالت الممرضة: - ماتقلقيش يا دكتورة، دکتور کریم انسان محترم جدا، وحضرتك بسم الله ماشاء الله ليك کاریزما مع الأطفال
فقالت سالي شاكرة: - ميرسي يا بسمة، عشر دقايق ونادي على البنوته عبال ما أروح
أصلي الضهر أنهت الكشف المتبقي وغسلت يدها ونزعت ردائها الأبيض الذي افتقدته لسنين طوال وتقدمت بخطوات ثابته نحو مكتبه
طرقته وسمعته يدعوها للدخول فقالت:
- أنا خلصت یادکتور

أشار لها بالجلوس وقال: - یعني هوا بدون مقدمات کتبر إحنا ما اتنقشناش في الساليري وكنت حابب أعرف تقيمك للموضوع عشان أنا مابحبش أظلم حد والمواضيع دي مافيهاش فصال فلازم تكوني راضية

ارتفع حاجبي سالي دهشة وتذكرت أمر الراتب، ذاك الذي غاب عن ذهنها كليا فهي منذ عادت لممارسة عملها واستغرقت فيه بإستمتاع عجيب لم تلتفت لأمر راتبها وكم الأموال الذي قد تحصل عليه من وراءه، وكم كان عليها التفكير بهذا الجانب بشكل جاد، فهي ماعادت تستند على مصروفها الضخم الذي كان ينقده لها جاسر دوريا ولن تستطيع إلقاء بعبأ مصروفاتها على والدتها وهي التي رفضت إعانة من جاسر وحتى لم تفكر بحسابها البنكي ولا حتى نفقتها، فأموال جاسر أصبحت بالنسبة لها خطا أحمرا لا يجب تعديه أخذ كريم يراقب كم الصراعات التي تنحت بآلامها على صفحة وجهها لوحة معبرة والعنوان.

" قهر رجل "
فقال بلطف: - أنا شايف أنك تفكري وتسألي وبعدين . .
فقاطعته:
- حضرتك ده مش موضوع هنختلف عليه، فعليا أنا مبتدئة وزي أي حد لسه في أول طريقه المرتب بيكون معلوم فمش هنختلف
أخذ ينظر لها بعين التقدير ثم قال: - بس أنت مبتدئة موهوبة يا دكتورة ولولا تصريحك إنك مبتدئة
أنا كنت فكرتك محترفة من زمان قامت سالي وابتسمت له لتشجيعه المستمر لها وقالت: - ده من ذوقك وزي ماقولت لحضرتك مش هنختلف
فقام كريم من مجلسه وقال ممازحا:
- خلاص يادكتور مش هنختلف مش
هأخرك عشان أنا عارف الساعة واحدة بالنسبالك
زي الساعة ۱۲ بالنسبة لسندريلا

توقفت سالی لبرهة عن الحركة وتأملت المقارنة بينها وبين سندريلا ولسخرية الواقع كم كانت متشابهة فهي حظيت بأمير وبحماة كزوجة الأب الشريرة وفقدت حذائها أو بالأحرى ذاتها في خضم الحياة فعادت لبيت أهلها وحيدة تعيسة دون أميرها خرجت من مكتبه شاردة بخطوات تتراقص بحماقة وشغلت فكره الوقت طويل بعد إنصرافها فما قاله كان لايعدوا کونه مزحة ولكنها تركت في نفسها أثرا بليغا إذ تغيرت ملامحها الباسمة الحزن صارخ رسمته خطواتها المتعثرة.

دقت الساعة الثانية، ولايعلم لم اقتحمت
أفكاره كغاز منتصر يجوب أراض المشرق والمغرب ؟ ! ألأنه يدرك بوجودها
الآن بين جنبات قصره وبكفها تحتضن
کفوف صغاره ؟ ! ! کمریض بترت أطرافه ولازال يشعر بوجودها ينظر حوله ليتأكد
، يكاد يمسك بطيفها فلا تتحرك كظمآن شارد يلاحق طيف واحة خضراء وما أن يصل إليها حتى
يجدها سرابا رفع سماعة الهاتف ليأتيه صوت نعمات دهشا عندما تعرفت على
صوته فقال يإنفعال لم يستطع السيطرة عليه:
- هاه يانعمات الولاد وصلوا ؟ !
ردت نعمات: - آیوه یا جاسر بيه من ساعة
فغمغم بصوت متردد:
- و،،، مامتهم، عندك ؟
فقالت نعمات وهي تكبح إبتسامتها:

- أيوا یا جاسر بيه بتغديهم دارت عيناه بين جنبات غرفته الواسعة حتى طالت السقف وطالت فترة صمته وهو عاجز عن الإتيان بحرف فقالت نعمات
بصوت قلق: - جاسر بيه ؟ !
رد بسرعة: - طب یا نعمات، هبقا أكلمك تاني اطمن على الولاد، ثم استدرك لعله يلمح طيف نبرة شاردة منها تطوف بأجواء القصر فتصل إليه عبر أثير الهاتف:
- ماما نايمة دلوقت ؟ فردت نعمات بتكرار شعر کلاهما بالملل منه:
- أيوا یا جاسر بيه فزم شفتيه وقال كطفل
غاضب لفقدان حلواه:
- طب مع السلامة وضع سماعة الهاتف ثم أمسك بقلمه وحاول العودة مجددا
لأوراقه وعمله ولكنه ما لبث أن ألقاه بعيدا ورأسه الصلد يعلنها بوضوح أدمى قلبه
نعم إنه يفتقدها واللعنة عليه وعلى كبريائه الأعمى
فهو يفتقدها وبشدة تنهد متعبا وعاد بذهن مشوش لأوراقه يحصي الساعات حتى يستطيع الإنصراف وربما اللحاق بظلها قبل أن تعود لمنزل والديها

أخذت تجوب الغرفات غرفة تلو الأخرى بحثا عنه وعن صغيرها ولكنها لم تعثر عليه فتوجهت للطابق السفلي لتسأل موظف الأمن عنه فأخبرها أنه خرج منذ ساعتان برفقة الصغير فتعالت صيحات
الغضب داخلها وأمسكت بهاتفها لتطلب منه تفسيرا وهي تتجه
للمصعد ولكنها سرعان ما سمعت صيحة صغيرها وهو يتجه بسرعة فائقة نحوها فأحتضنته بشوق ولاحظت فورا الألوان التي يضج
بها وجهه فقالت بتقزز:

- إيه اللي على وشك ده ؟ | أشار لها صغيرها بأصابعه لكأنما هي مخالب اكتسبها بحكم تلك الرسمة السخيفة بنظرها وهو يصطنع زئير أسد جائع:
- هاااع . . . أنا أسد رأى الشرر ينبعث من عيناها فابتسم داخله واقترب منها وهو يرسم ملامح الجد المطلوبة للتغلب عليها ثم قال:
- أخدته شويه الملاهي، ماتقلقيش
حدقت فيه ببلاهة ثم قالت مؤنبة: - ملاهي لعيل عنده حصبة، لك أن تتخيل کام عيل أتعدى منه
قال هازئا: - ياستي أهي كلها مناعة وبعدين تجيلهم وهما صغيرين أحسنلهم
ثم أردف أيهم بثقة ليزيد من حنق أمه ضعفا مضاعفا: - وبعدين أنا ولد شطووووور، عمو أسامة قالي كده وقالي كمان
كل ما هتطلعلی حباية هكون أقوى وأقوى ظلت صامتة وهي تنقل أنظارها بينهما ثم قالت بأمر حاسم:
- أنت كفاية عليك كده النهاردة أنا هطلع أبلغ إذن ونروح وانصرفت دون أن تعقب ولم يقف هو بطريقها بل اتخذ طريقه نحو سيارته

كانت تقذف بالملابس للبائعة خلفها بعصبية وتوتر بالغين في حين ظلت صديقتها تراقبها بتعجب حتي جذبت من يدها رداء
کریمی اللون فاضح وقالت لها: - لا ااا یا دالیا لحد هنا واستوب جاسر عمره ما هيعجبه تلبسي
حاجة كده فلمعت عيناها وقالت بجذل:
- تفتكري يا أنجي
فحدقت بها إنجي قائلة:
- شور طبعا ده مستحيل يخليكي تخرجي بيه تأملت داليا الرداء بخيوطه المتشابكة الرقيقة والتي تغطي قسما هائلا من منطقة الظهر والبطن وصولا للكعب وقطع صغيرة متفرقة من قماش الدانيلا الناعم تغطى بستر زائف منطقة الأرداف والصدر بحيز ضيق للغاية ثم قالت بثقة:
- هدخل أقيسه راقبت انجی انصراف صديقتها بعين متسعة وراقبتها مرة أخرى ولكن بعين أكثر إتساعا بعد خروجها من غرفة القياس ثم قالت
غير مصدقة:

- دا أنت مصممة بقا فتنهدت داليا وهي تنظر لمنحنيات جسدها الفاتنة قائلة:
- يجنن مش كده
فقالت إنجي ساخرة: - ده يطير برج من نافوخه ويمكن كمان يطير رقبتك
فهمست داليا بتمني حارق:
- یاریت . . يا إنجي، ياريت

أوقف السيارة على بعد أمتار من المنزل تحت شجرة ضخمة ومضى ينتظر خروجها من بوابة القصر حتى رآها تسير خارجها
بخطوات بطيئة وأصابعها تتعلق بأسياخ البوابة المعدنية ثم توقفت لتتمتم ببضعة كلمات قبل أن تعود مجددا لطريقها الخالي
وجلس هو بسيارته لوقت طويل حتى رأی أنوار سيارة زوجته تسطع في الظلام عائدة للقصر فأدار محرك سيارته وداخله رغبة
في الهروب ولكن إلى أين ؟ لديه أبناء بالداخل وأم قد تلفظ أنفاسها الأخيرة في أي وقت
حملت حقائبها وتصاعدت خطواتها نحو
غرفتهما ثم وضعت الحقائب جانبا
وتأملت هيئتها بعين ناقدة
تعلم كم هي جميلة، بل فاتنة

ولكن لم يكن جاسر بالرجل الذي ينجذب للجسد دون الروح كما تعلمت بالأيام الماضية، ولكن لكل رجل مفتاح ووجودها
هنا بين جنبات هذا القصر لهو المفتاح خرجت من غرفتها واتجهت لغرفة الصغار طرقت الباب بخفة ودلفت لتجد الصغيران منشغلان بلعبة إليكترونية والخادمة
ترافقهما عبست نعمات بوجهها قالة برسمية مبالغ فيها:
- عاوزة حاجة ياهانم ؟ حاولت رسم إبتسامة ودودة لعلها تكسر الجليد بينها وبين الصغار
وقالت:

- أنا جاية بس اتطمن عليهم ظل الصغار صامتين ولم ينبت أحدهم بنبت شفه فقالت نعمات
ببرود تام: - هما الحمد لله كويسين، مش ناقصهم غير . . .
وانقطع سيل الكلمات أو بالأحرى الكلمة الوحيدة المتبقية والتي تلقي بظلال اللوم عليها وعلى ذاك الخائن بنظرها عندما رأت ظله خلف داليا يقف ليراقب المشهد بتخفي
فتقدم جاسر قائلا:
- ناقصهم إيه يانعمات ؟ تهللت سلمى الصغرى لرؤيا والدها وقفزت بأحضانه صارخة:
- بابا، وحشتني إحتضنها جاسر بقوة وأنظاره متعلقه بنسخته الذي ترك لعبته وظل
جالسا مكانه صامتا فمد له ذراعه قائلا:

- مش هتيجي تسلم عليا يا سليم ؟ اتجه سلیم نحوه بخطوات بطيئه ومد يده ليسلم على والده الذي جذبه عنوة لأحضانه وهو يرفع أنظاره لنعمات منتظرا لأجابة:
- هاه يانعمات . كنت بتقولي الولاد ناقصهم إيه ؟ قامت نعمات لتنصرف قائلة بدبلوماسية اكتسبتها بفعل سنوات الخبرة:
- شوفتكم يا جاسر بيه، عن إذنك هقولهم يحضروا العشا وأشوف
الست هانم، زمان أخواتك على وصول وقفت داليا بإنتظار أن يتقدم جاسر منها ولكنه لم يفعل فبعد أن
ترك الصغار أحضانه جذبته سلمي قائلة:
- تعالى العب معايا يابابا

هز جاسر رأسه وقال: - أغير هدومي بس واتشطف وراجعلكوا يا حبيبتي ثم انصرف لغرفته ووقفت داليا تراقب إنصرافه حانقة وسارت
خلفه حتى دخلت الغرفة وأغلقتها قائلة:
- ده ولا كأنك كنت شايفيني فرد ببرود وهو يخلع سترته ويلقيها جانبا:
- ليه اتعميت ؟ فقالت داليا بضيق بالغ: - أومال ما عبرتنیش حتی بسلام ؟ !
فابتسم هازئا وقال:
- إزيك يا داليا، عاملة إيه ؟ والتفت ليتجه للحمام فجذبت ذراعه واستوقفته ودفعت بنفسها
بأحضانه عنوة قائلة بدلال: - اتعود أما ترجع من شغلك تحضني وتسلم عليا يا جاسر أنا
محتاجلك تصلب في مكانه إثر ذاك الإقتراب المفاجيء ووضع يده على
ذراعها ليدفعها بهدوء للخلف قائلا بصوت متحشرج:
- اكبري یا داليا على حركات العيال دي لو سمحتي فتعلقت بعنقه ليزداد إقترابها سوءا بنظره
واقتحمت بشفتيها ياقة

قميصه وهي تهمس: - مش هکبر یا جاسر وهفضل قصادك طفلة، محتاجه لحضنك
على طول تنهد وهو يحاول الإبتعاد قائلا:
- وأنا محتاج دلوقت أني أغير هدومي واتشطف
تركته يفلت من عناقها الحميم وهي تبتسم، فخطتها باتت واضحه كلما عمد للهروب والإختباء منها ستهاجم هي بفيض مشاعر لا قبل له بها حتى يعتاد عطائها ويدمنها كما أدمن البدينة
ولا يستطيع الاستغناء عنها

عادت بعد انتهاء ساعات عملها الطويل مرهقة للغاية وجل ما
كانت تطمح له حماما ساخنا وعشاءا يروض وحش معدتها الغاضب ولكن ما أن دلفت لشقتها والمفترض أنها مظلمة بذاك التوقيت من الليل حتى أثارتها الأضواء المنبعثة من كل جانب فأخرجت سائل الحماية الذي تحمله دوما من حقيبتها ولكنها
سرعان ما لمحت طيفه فتنهدت براحة قائلة:
- زیاد، خضيتني، أنت بتعمل إيه هنا ؟ كان يجلس على الأريكة وأمامه عبوة فارغة من السجائر أحرقها بأكملها أثناء ساعات النهار الطويلة التي قضاها بالتفكير والإنتظار
قام واتجه نحوها بخطوات بطيئة ثم ناولها المظروف الذي
بحوزته منذ الصباح وهو يعتصم الصمت وما أن رأت المظروف حتى اتسعت عيناها برهبة، ثم قالت:
- أنت جيبته منين ؟

فقال بصوت جاف: - مش ده السؤال، السؤال أنت خبتيه طول السنين اللي فاتت ليه ؟ قاومت العبرات التي تكتنف عيناها ثم اعترفت قائلة:
- ما رضيتش أجرحك
فصرخ بها: - تجرحيني ولا تذليني بعد كده ؟ ! ارتفع حاجبيها وشهقت بفزع وقالت بدفاع مستميت: - وليه أذلك یا زیاد أنا بحبك وكان صعبان عليا أن أشوفك مهزوم بحاجة مالكش يد فيها
لم تلین ملامحه بل إزدادت شراسة وهو يقبض
على ذراعيها:
- الدكتور قال أني كنت ممكن أتعالج، لو كنت صارحتيني
بالحقيقة كان ممكن يبقالي أمل لم تحاول الإبتعاد عنه بل على العكس اقتربت منه أكثر وهي
تحدق بعيناه: - لكن ماقالكش إني كنت بديك العلاج على إنه فيتامين، فاکر
ولا نسيت . . . . الصبح بعد الفطار وبالفعل تذكر إصرارها على تناوله تلك الفيتامينات التي أخبرته أنها مستورده من الولايات المتحدة ولكنه سأم معاملتها له كطفل وقرر التوقف عنها بعد عدة أشهر

ولكأنما قرأت أفكاره فأردفت قائلة: - ولما بطلت تاخدها بقيت أدوبهالك في العصير فضلت سنتين
أديلك العلاج لحد ماحسيت أن أصلا جوازنا مشروع فاشل مافيش يوم بيعدي إلا لما نتخانق ومافيش يومين بيعدوا إلا لما اكتشف خيانة جديدة
نکس رأسه وترك ذراعها ولم يدر ماذا يقول فهو فعليا عاجز عن الكلام، عن الإتيان بشكر أو إعتذار يليق بها وبتضحيتها
ثم قال بألم: - وليه لما كنت بصرخ نیکی انك حرماني من الأطفال ما.

اتكلمتيش، ليه ؟ لم تستطع حجب دموعها أكثر من ذلك فقالت وهي تبكي: - ما قدرتش، ماقدرتش رغم إني كنت واثقة أنه لو اتقلبت الأدوار
كنت عمرك ما هتعمل كده اقترب منها ودفنها بأحضانه وظل يحتضنها لوقت طويل يربت على ظهرها ويمسح دموعها حتى رفعت له رأسها وعيناها تحمل ألف سؤال ورجاء وربما بداية جديدة يقدر كلاهما حجم العطاء وكيفية التعاطي معه ولكنه ما لبث أن نحر كل أمل داخلها
وبصوت خافت قال:
- أنت طالق یا آشري
دقة العصا القوية على الأرض هي كل ما تملك في تلك الحياة لتعلن أنها لازالت تمتلك الأنفاس الكافية لجذب انتباه الجميع التفت أسامة فورا لأمه التي كانت تقترب منهم وصعد بضعة درجات ليساعدها على النزول ولكنها دفعت يده بعيدا بقوة قائلة- أسند نفسك أنت ضحك أسامة ونظر لوجه أمه الذي كان مشرقا على غير العادة وتأمل هیئتها الاستقراطية الراقية برداء أزرق اللون يناسب شحوب بشرتها وخصلات شعرها القليلة التي أفلتتها من أسفل وشاحها الفضي المعقود بهيئة تظهر رقبتها المزينة بعقد ماسي عريض توجها كلاهما للطاولة العريضة بغرفة الطعام وكان بإنتظارهما جاسر الذي ما أن رأته وحده حتى عبست وقالت:

- أومال فین زیاد؟!
رد أسامة قائلا:
- كلمته الصبح وأكدت عليه قال أنه جاي فقالت بإصرار:
- کلمه تاني عندها تولی جاسر مهمة الرد فقال:
- قافل موبايله أخذت سوسن نفسا عميقا ثم قالت:
- طب يالا نتعشا الأكل هيبرد كانت نعمات قد انتهت من رص الأطباق ووزع متعهد الطعام الذي إستأجرته سوسن خصيصا لتلك الليلة من وضع الطعام وجلسوا ثلاثتهم والتفت سوسن لنعمات قائلة:

- عشيتي الولاد یا نعمات ؟ هزت نعمات رأسها قائلة:
- أيوه يا هانم وغسلوا سنانهم وناموا قال جاسر موجها حديثه لنعمات:
- بكرة الصبح یا نعمات هتيجى مربية للولاد هتعرفيها نظامهم كادت نعمات أن تعترض، فالأطفال لا يسببون لها مشكلة ولا هم حتى يحمل فهي من ربته أولا وأخيرا ولكم يسعدها تربية النسخ الصغيرة منه كما أن أمهم تزورهم يوميا، فلا حاجة لمربية غريبة قد لا تتآلف طباعها معهم والأهم معها، لمحت سوسن الرفض في خلجات نعمات ومشاعرها البينة المرسومة على وجهها فقالت سوسن:
- هتدربيها أنت الأول ولو ماعجبتكيش تمشي ونجيب غيرها شكرتها نعمات بهزة رأس قوية فهي أعادت لها مكانتها وهيبتها في مقابل تلك الحديثة الغائبة أمام مخدومها قائلة:

- تحت أمرك يا سوسن هانم، عن إذنكم تراجعت نعمات للخلف بضعة خطوات حتى كادت أن ترتطم بالضيفة التي لم تدعوها سوسن لحضور مأدبتها والتي كانت مصرة بفرض وجودها حتى لو لم تتلقى دعوة فهي زوجة ابنها الأكبر أولا وأخيرا ولابد أن تحفظ مكانتها فارتدت زيا مكونا من قطعتين سروال مخملي واسع يعلوه بلوزة حريرية بيضاء ورفعت خصلات شعرها بعقدة كلاسيكية وكانت أكثر من أنيقة وجميلة لتستحق مكانتها على تلك الطاولة بجدارة أجفلت نعمات وقالت قبل أن تختفي عن أنظارهم كليا:

- أنا آسفة ياهانم ابتسمت لها داليا بسماجة وتابعت طريقها نحو الطاولة ملقية بتحية المساء علي الجميع:
- مساء الخير رد أسامة التحية عليها بجفاء ونظر لأخيه الذي كان متجاهلا وجود زوجته بالكامل فيما زمت سوسن شفتيها وقالت بصفاقة تناسب إمرأة بمكانتها وعمرها:
- العشا ده مخصوص ل آل سليم، أكلك شوفي نعمات تحطهولك احمرت وجنتا داليا وغابت إبتسامتها سريعا ومضت تنظر لسوسن غير مصدقة ثم التفت لزوجها الصامت والذي صعق هو الآخر من رد أمه فرفعت رأسها بشموخ وقالت بهدوء بالغ رغم ملامح وجهها المحتقنة:

- مش بنت الزهري اللي يتحطلها طبق زی قطة ولا حد متشرد یا سوسن هانم، أنا بس كنت جاية أسلم عليكم لكني ماقصدتش الطفل أبدا على سفرتك . بونا بیتی وعندها تعلقت أنظارها بزوجها الذي كان لمح لمعة عيناها النارية والمشوبة بدمعات ماسية إثر إهانة أمه فقام ملقيا بمحرمته بقوة ومضي نحوها وقبض على ذراعها وجذبها نحوه تحت أنظار أمه وأخيه ثم همس لها:

- اسبقيني على فوق یا داليا همت بإعتراض هامس:
- یعنی عاجبك . . . وضع إصبعه على شفتيها قائلا بتصميم:
- شششش، فوق لو سمحتي رفعت رأسها وهي تسدد نظرة حارقة نحو سوسن التي كانت تتابع مايحدث بينهم بإهتمام غاضب قائلة بعند:
- هستناك في الليفنج فأكد لها:

- شوية وهاجي نتعشى سوا عاد مرة أخرى لطاولة الطعام صامتا فقال أسامة بصوت منخفض- ماکنش ليه لزوم يا ماما نظرت سوسن لجاسر وقالت هازئة:
- وإذا كان أخوك ما اعترضش، بتعترض أنت على أي أساس عندها رد جاسر بهدوء:
- أنا ما اعترضتش عشان دي رغبتك، زي ماكتير ماكنتش بعترض على معاملتك ل . . . وأردف رغم الغصة بحلقة:
- سالي، بس مش معنی کده أن التصرف ده كان صح طرقت سوسن بعصاها بقوة قائلة:
- هيا السبب في غياب أخوك النهاردة، زي ماهيا السبب في غياب مراتك ضحك جاسر ملی فمه وهو يدرك جيدا أنه لا يشعر بأي فكاهة بالأمر بل المرارة تكاد تخنقه:
- على أساس أن زياد كان ديما الابن المطيع، أما مراتي مابقتش مراتي وبرغبتها مش برغبتي ساد الصمت المتوتر بينهم حتى قالت سوسن بنبرة تحمل ندما على تقريعها المستمر وروعونة تصرفها رغم أنها لاتطيق تلك الفتاة:
- الشغل أخباره أيه؟

رد أسامة بصوت راض:

- الحمد لله لسه كنت بتناقش مع جاسر في موضوع فتح فرع لينا بره في إيطاليا، في توجه ماشي في البلد ناحية فتح سوق خارجية حتى فيه بنوك مصرية فتحت فروع ليها هناك وده هيسهل علينا شغلنا هزت سوسن رأسها هي لا تفهم تلك المعاملات المالية المعقدة ولكنها فقط تريد الإطمئنان على إستقرار الأمور وقالت لجاسر:
- وشركة زياد أخبارها أيه ؟ نظر جاسر لأمه التي كانت تؤكد ملكية زياد للشركة والتي لم يكن هو معترض إطلاقا على تلك الملكية هو فقط يرجئ رجوعها لأخيه حتى يطمئن أنه سيحسن التصرف فقال:
- فيها شوية مشاكل ومديونات، بس أنا كلفت فريق عندي يظبط أمورها قالت سوسن دون موارية:
- أنا جمعتكم النهاردة وكان نفسي أخوكم يكون حاضر عشان موضوع مهم رفع الإثنان رأسهما سويا لأمهما التي كانت كما يبدو على وشك إعلان هام:
- توزيع أملاكي بعد ما أموت زفر جاسر ضائقا فيما قال أسامة:

- یاست الكل مافيش داعي لل . . رفعت سوسن إصبعها له وأكملت حديثها قائلة:
- طبعا الشرع بيقول تتوزع عليكم بالعدل بس أنا ليا طلب فقال جاسر:
- أمي أنت تقدري تتصرفي في أموالك زي ما أنت عايزة منغير ماترجعي لحد فينا وتأكدي أننا هنكون راضيين صمتت سوسن لوهلة ثم قالت:
- خلاص هكتب كل حاجة وهتلاقوا الورق في الدرج اللي جمب سريري نظرت سوسن لابنها الأوسط بألم الذي أظلم محياه فهو كان يتجاهل فعليا حقيقة إقتراب فقدانه لأمه إذ أنه لم يتعافی بعد من حادثة فقدان زوجته وطفلته الوحيدة، ثم قالت:
- سنة الحياة ياأسامة وأنا وصلت فعلا لمرحلة إني زهدتها عندها قال جاسر ساخرا وجنبات صوته تهتز برعشة بغيضة:
- ده العشاء الأخير ولا أيه يا أمي ؟ حدقت به سوسن بغضب وقالت بعنفوان:
- عمر الشقي بقي وأنا هموت بالنهار مش بالليل عندها لم يتمالك أسامة وجاسر نفسيهما وانفجرا ضاحكين وابتسمت لهما أمهما مؤكدة ببساطة:
- ربنا عند حسن ظن عبده، وأنا طلبتها منه أموت بالنهار وانقطع سيل الضحكات حينما دلف زیاد للغرفة بهدوء قائلا بأسف:
- اهو فعليا أنا ندمان أني ماجيتش في وقتي كنت عرفت بتضحكوا عليا ولا بتضحكوا على أيه واتجه إلى أمه ليقبل وجنتها ويدها بلطف فقالت باسمة وهي تتطلع لعيناه اللتان كانتا مظلمتان بشيء لم تفقهه فقالت بقلق:

- مالك ؟ فيك حاجة ! اتخذ زیاد مكانه ورسم ابتسامة زائفة على وجهه وقال:
- أنا زي الفل وجلس بعد أن حيا أخويه بهزة رأس وشرع في تناول الطعام بتلذذ قائلا:
- أممم، ده مش نفس نعمات ولا حتى الطباخ اللي جه قریب هزت سوسن رأسها بإيماءه وهي لازالت تراقب ابنها بعيون كالصقر قائلة:
- متعهد شکرتلي فيه أمينه هانم بالمناسبة الكارت بتاعه في الدرج اللي جمب السرير تمتم أسامة متنهدا:
- يادي الدرج اللي جمب السرير تابعت سوسن تناول طعامها الشهي قائلة:
- كل وأنت ساکت ثم وجهت حديثها لزياد قائلة:
- أنت ومراتك عاملين إيه ؟ رد زیاد بصراحة هادئة:

- اتطلقنا النهاردة توقف الجميع عن تناول الطعام فجأة وكادت سوسن أن تصرخ به ولكنها تماسكت لتقول زاجرة:
- إزاي تعمل حاجة زي كدة منغير ماترجعلنا ؟ رفع زیاد أنظاره لأخيه الأكبر وقال هازئا:
- یعني هو كان الكبير رجعلك في أنه يطلق مراته أم عياله لما أنا أرجع، مش الكبير ده قدوتنا فقالت أمه حانقة:
- سيبك منه وبوصلي هنا التفت زیاد لأمه فيما قال جاسر:
- أنا حياتي الشخصية مش مقياس والمشاكل اللي بينك وبين آشري كانت تتحل بطریق تاني فقال زیاد بهدوء:
- معاك حق، أنت مش مقياس أنت بتخلف ماشاء الله، أنا لاء . وحرام عليا أربط واحدة جمبي وأحرمها أنها تكون أم تعلقت أنظارهم جميعا بوجهه بصدمة بالغة، فقال أسامة غير مصدقا:
- وفجأة كده اكتشفتوا الموضوع ده أنتو بقالكوا سنین أخفض زياد رأسه وهو يرتشف قليلا من الماء ثم قال بصوت أبح لم تنجح قطرات الماء في إجباره على العودة لطبيعته:

- أنا اللي اكتشفت، هيا كانت عارفة من زمان فقال جاسر بعند:
- أكيد فيه علاج، الطب اتقدم والحاجات دي . . قاطعه زیاد قائلا:
- مافيش أسوء من اللي أنا فيه غير الشعور بشفقتكم عليا، أنا مش زعلان بالعكس أنا راضي جدا همست سوسن بقهر:
- هيا كانت ليلة باينة من أولها تنهد زياد ومسح فمه ووضع محرمته جانبا وقام ليقبل كف أمه وقال:
- اتطمني عليا يا أمي الدكتور قال أنه فيه علاج بس أنا مش مستعد نفسيا دلوقت هزت أمه رأسها وقالت:
- هدعيلك كل ليلة ربت زیاد على كف أمه وعاد لتناول طعامه بشهية متوسطة صامتا كما اعتزم جميعهم الصمت فالصمت محراب لكل متألم، منکسر كانت تجلس في غرفة المعيشة تغلي وتزبد تستمع لضحكاتهم التي خفتت تدريجيا حتى اقتحم غرفة المعيشة فالتفتت له ثم عادت لمتابعة التلفاز بذهن شارد فاقترب منها حاملا صينية الطعام وجلس بهدوء إلى جوارها وشرع في إفراغ بعضه في طبق أعده خصيصا لها وناولها إياه صامتا فالتفتت له قائلة بحنق- ياسلام بالبساطة دي بعد ماخلصت قعدتكوا جايلي بطبق، شكرا وضع جاسر الطبق أمامها وقال بصوت جاف:

- أمي كانت مجمعانا تناقش معانا وصيتها بعد ماتموت وزي ما أكيد أخدت بالك إحنا مش من عادتنا لانتجمع لا على عشا ولا على غدا حتى فقالت ونبرتها لازالت مرتعشة بفعل الغضب:
- کنت ممكن تنبه عليا لكن ده مايبررش معاملتها ليا بالشكل ده یاجاسر أنا مراتك هز رأسه موافقا:
- معاكي حق، لكن أنا بطلب منك تعذريها هيا عمرها ماكانت بتتجمل في معاملتها مع حد والمرض زود الموضوع ده عندها هزت داليا رأسها رافضة لتلك المبررات السخيفة بنظرها:
- وعاوز تفهمني أنه سالي كانت بتقبل بالمعاملة دي أما كانت عایشه هنا معاها ولا بس المعاملة دي إكسيفلوسف ليا؟!
ابتسم جاسر ساخرا وقال:
- آه كانت بتقبل وبتقبل بأكتر من كده كمان فرفعت داليا رأسها بشموخ وقالت بغیر تصدیق:

- بس مش معنی کده إني أقبل . . أنا بحبك آه لكن مش هبقل بأي إهانة لكرامتي زفر جاسر متعبا وعاد ليستند للأريكة وأغمض عيناه، فبعد أحداث تلك الأيام المتعاقبة وتلك الليلة المشحونة والنبأ الذي حمله أخيه الأصغر لهم، بات عاجزا عن المقاومة فأشفقت عليه رغما عنها واقتربت منه ومسدت كتفه وقالت بصوت هامس:
- بس مستعدة اتنازل المرادي عشان خاطرك ففتح عيناه ونظر لها مليا وقال ضائقا:
- وهعوضك مش كده ؟ تناولت الطبق الذي صنعه لها ودفعت بالمعلقة لفمه قائلة بدلال:

- کونك جيبتلي العشا لحد عندي وجاي تتعشا معايا وتصالحني ده تعویض کافي ليا نظر لها جاسر وهو يحاول سبر أغوارها أثناء مضغ الطعام الذي دفعت به لفمه والذي يجد صعوبة بالغة في إبتلاعة فهي شخصية متقلبة بإمتياز لا تساير مشاعرها بعفوية كما يستشعر كما أنها لا تمنحها الحرية المطلقة في التغلب عليها، مثله تماما انتهت من رفع طعام العشاء لأطفالها وساعدها الأكبر والأوسط فيما نام الصغير على الأريكة متعبا فنظرت له بحنان وقالت لأخيه:
- حسن خد أخوك دخله ينام جوه هز حسن رأسه مطيعا وحمل الصغير الذي لا يتجاوز وزنه عشرون کیلو جراما ورن الهاتف في طريقه فقالت درية:
- هرد أنا روح أنت رفعت درية سماعة الهاتف قائلة:

- آلو فأتاها صوت والدها قائلا:
كويس أنك صاحية جلست درية وقالت بهدوء:
- إزيك يا بابا ؟ قال والدها على عجالة:
- أنا تمام خلصت مشوار الدكتور وجاي علیکی استنبنني ماتناميش نظرت درية لساعة الحائط المعلقة فعرفت أن والدها قد عزم على المبيت بمنزلها فجأة كما اعتاد فقالت دون حيلة:
- تنورنا يا بابا وماهي إلا نصف ساعة حتى كان والدها يستقر على المقعد بغرفة المعيشة فيما كانت درية تضع أمامه طعام العشاء فقال رافضا:
- لا أنا هاكل زبادي بس الدكتور موصيني ماتقلش بالليل عشان الحموضة ناولته درية ما أراد وقالت بتعجب:

- هوا حضرتك كنت عند الدكتور لوحدك ؟ قال فاكها:
- لاء طبعا هروح لوحدى إزاي، طارق راح معايا ووصلني لحد هنا عقدت درية حاجبيها فأردف أبيها غاضبا:
- معقول نسيتی طارق ومع زجرة أبيها لها تذكرته على الفور وقالت بضيق:
- اللي غيرلي الديكور مع حضرتك فاعتدل أبيها في جلسته قائلا مؤنبا حانقا:
- اللي طالبك للجواز يادرية واللي مستني من ربة الصون والعفاف إشارة تنهدت درية وعظامها فعليا تأن بالتعب:
- يا بابا أنا كبرت وتعبت، كفاية عليا مسولية ولادي مش حمل كمان أشيل مسئولية راجل فقال أبيها معترضا وهو يشيح لها بيده:
- مش مفترض بيكي تشيلي مسئوليته زي اللي الله يرحمه اللي اتجوزتيه منغير رضيا الكامل، وإن كان عليه فهيساعدك في شيل ولادك . فين المشكلة بقي ؟ دارت عینا درية بحثا عن مخرج فقالت:

- طب ممكن نأجل الحوار ده . . قاطعها والدها بمسكة لكنها قوية قائلا بهمس وحدها تستطيع سماع ألم المرارة والحسرة به:
- كبرتي بس ناقصك تعقلي پادرية وتوزني الأمور صح، ماتغلطیش غلطتي يابنتي، ولادك محتاجين راجل في حياتهم زي ما أنت كنت محتاجه ل ست في حياتك وأنت صغيرة، وعاندت وقلت هعرف أعيش بطولي لحد مافات الأوان لامني عرفت أكمل حياتي منغير ست ولا مني لحقتك بأم أشاحت درية برأسها بعيدا وترك أبيها كفها وقال بصوت رزین:

- أرجعي حتى لكلام الدكاترة والمربيين وقوليلي لو طلعت غلطان، راسك ناشفة أنا عارف همت درية بالإعتراض فقال وهو يقوم مشيرا لها كي تهدىء:
- أنا داخل أنام تصبحي على خير جاورت صغيرها وقبلت وجهه المطعم ببقع حمراء وصلت لذقنه وكلمات والدها لازالت ترن بآذانها وتلقي الصدى داخلها، ووجه يرتسم بعتمة الغرفة لايخص ذاك الطارق ولكن يخص من رسم البسمة على وجه صغيرها هذا النهار وجزءا من الليل فهو لم يتوقف عن الحديث معه وعنه، بعد أن أوصلهما ظهيرة اليوم رغم إعتراضها البين فرفعت الوسادة فوق رأسها لتسكت الضوضاء داخل رأسها لعلها تستطيع الحصول على قسط من النوم     ويبدو أنها ليلة مشحونة بالفعل كحال الليالي التي تقضيها بالمشفي مؤخرا فلقد انتهت للتو من عملية جراحية حرجة انتهت للأسف برحيل المريض عن الحياة والأكثر أسفا أنها من حملت الخبر لعائلته التعيسة التي كانت بإنتظارها وكأنها تحمل ذنب رحيله عن الحياة ويداها ملطخة بدمائة جلست على الأرض الباردة في بقعة منزوية من أرض المشفى تبكي بصمت، تلك العادة المزرية التي لم تستطع التخلص منها يوما كلما فقدت روحا جلست على الأرض تنعيها، رغم بذلها جهدا خرافيا في إنقاذها إلا أنها إرادة القدير وامتدت يدا تؤازر ضعفها وتمدها بقليل من الراحة فأجفلت ورفعت رأسها فورا لتراه من خلف ساتر دموعها ينظر لها بحنان بالغ قائلا:

- مش ذنبك على فكرة نفضت يده ومسحت دموعها بغضب وقامت قائلة بصوت حاد:
- أنت عرفت مكاني منين ؟ رد بهدوء:
- اللي يسأل مايتوهش وكان هذا أسوء فالجميع أصبح يعلم بأمر بقعتها المنزوية المخصصة للبكاء ولاشيء سواه فعبست وارتسم الغضب بعينها الزرقاء الحادة وقالت:
- وعاوز إيه ؟ تنهد قائلا ببساطة:
- أكلت عشا دسم شوية وقلت نشرب حاجة سوا أهو يمكن أعرف أهضم فقالت بوقاحة:
- يابرودك يا أخي وأنا اللي مادوقتش اللقمة من الصبح جاي تقولي تهضم وانفجر کلاهما بالضحك فقال مشاكسا:
- ماكنتش أعرف أنك طفسة كده، خلاص تعالي أعشيكي واشرب أنا حاجة فردت مشاكسة هي الأخرى:
.- لاء هتعشيني وتشربني كمان ثم توقفت عن الحركة فلقد استوعبت أنها وافقت على رفقته ولم تمانع والأكثر أنها لاتشعر برغبة في زجره كحالها مع الرجال والتراجع ثم قالت بتقدير:

- هروح أغير وأحصلك فأومأ برأسه موافقا وقال:
- وأنا هستناكي برة غيرت ملابسها بسرعة ورفعت خصلات شعرها دون أن تمشطها بربطة مطاطية سوداء ووضعت سترة من الجلد فوق سروال من الدنيم الأزرق هو المفضل لديها ولايفارق ساقها النحيلة وخرجت مسرعة كأنها طالبة هاربة من أسوار المدرسة لملاقة حبيبها المراهق حتى رأته يستند إلى سيارته الفارهة فزمت شفتيها وهي تشير برأسها لدراجة بخارية قائلة:
- بتعرف تسوقها ؟ حدق بها دهشا وقال:
- أومال فين اللامبورجينى ؟ ضحكت واعترفت بخجل:
- لا دي كانت سلفه من ابن عمي أول ما ملتني العنوان وأشارت له بحركة إصبع مميزة لكأنما ما سوف تقوله يجب أن يحاط بإطار:
" كفر عبده " ضاقت عيناه وقال يإهتمام:
- بقي ابن عمك سلفك اللامبورجيني بتاعته الظاهر بيعزك أوي فقالت ريم بمكر:
- أخويا في الرضاعة مايعزش عليا حاجة هز أسامة رأسه وهو ينظر لها بإبتسامة واسعة:
- ربنا يخليلهولك وتراجع للخلف وفتح باب السيارة لها وقال:

- خلي الموتسيكل لوقت تاني يكون بالنهار لا تعلم لما سرت بتلك الملاحظة ألأنه يعدها بزيارة قريبة بالنهار ولكنها لم تتوقف للتفكير بالأمر فتلك هي طبيعتها تخوض وتقتحم أولا وترجیء الحصول على النتائج لما بعد . ففيم العجلة صعدت لسيارته ووضعت حزام الأمان كما اعتادت أثناء معيشتها بالخارج ففعل بالمثل وقال:
- هاه تحبي نروح فين ؟ | تراجعت للخلف رافضة التفكير بالأمر قائلة دون مبالاة:
- أنت اللي عازمني ماليش فيه     انتهت من جلي الأطباق ووضعت البراد على الموقد قائلة بصوت مرتفع لتسمعها أمها:
- تشربي إيه يا ماما ؟ فقالت مجيدة:
- اعمليلي ينسون يا سالي هزت رأسها وقالت:

- من عنيا حاضر وفجأة رن جرس الباب فقالت أمها متوجسة:
- خير يارب مين هيجلنا السعادي ؟ وضعت سالي وشاحها فوق رأسها وقالت لأمها:
- خليكي يا ماما أنا هشوف مين اتجهت سالي صوب الباب وقالت:
- مين اللي بيخبط ؟ أتاها صوت أختها الكبري باكية:
- افتحي يا سالي أنا سیرین فقفزت أمها من على المقعد وجلة وأزاحت سالي المزلاج بسرعة وفتحت الباب لتتلقفها أحضان أمها الباكية وخلفها صغارها الأربعة وقالت سیرین بیکاء حار:

- أنا خلاص مابقتش قادره استحمل ياماما، طلقوني وريحوني بقا تنهدت أمها براحة وقالت:
- يا شيخة خضتيني حرام عليكی، ادخلي، ادخلوا ياولاد، حبايبي حبايب تبته ومضت تقبل رأسهم وهي تقول:
- ربنا يهديلكم أبوكم وأمكم، اتعشيتوا يا حبايبي هز الصغار رأسهم نافيين فرفعت مجيدة أنظار لائمة لأمهم وتولت سالي المهمة قائلة:
- ادخلوا غيروا هدموكوا وأنا حالا هجيبلكم السندويتشات ياحبايبي انصرفت سالي لمهمتها فيما أجلست مجيدة إبنتها الكبرى وقالت- مش تعقلي بقا ياسیرین فقالت سيرين غاضبة:

- أنا مستحملاه وجبت أخري إشمعنا سالي يعني رفعت أمها كفيها وقالت بعنف:
- اسكتي، اسكتي ماتجيبيش سيرة الموضوع ده خالص أنت مفکراني فرحانة بيها وهيا قاعدة جمبي وبعدين أختك في رقبتها واحدة أنت في رقبتك أربعة، واللي عمله جوزها مش شوية إنما أنت معتصم عملك إيه ؟ فقالت سيرين هامسة بقهر:
خلاص مابقتش طيقاه لا أسلوبه ولا كلامه ولا قادرة استحمله كل يوم والتاني يبكت فيا، وآخرة المتمة بيعایرني أن سالي اطلقت مرتين أظلمت ملامح مجيدة وقالت بصلابة:

- کدهوه، ماشي، سيبهولي أنا لیا صرفة معاه، أدخلي دلوقت اشطفي وشك واتعشي ونامي جمب ولادك عشان تعرفي تفوقيلهم الصبح، أختك نزلت شغل وأنا ماقدرش أراعيهم لوحدي تفاجئت سیرین بذاك النبأ فقالت:
- اشتغلت، امتی، وماقولتوليش ليه ؟ أشاحت مجيدة بيدها:
- أنت في أيه ولا في إيه، نزلت تشتغل مابقالهاش أربع أيام فقالت سیرین حانقة:
- وهوا جاسر مش هيبعتلها على الأقل نفقتها، إيه اللي يجبرها على المرمطة هوا كان ناقص فلوس؟!
فقالت مجيدة بتعب:

- أختك اللي مش عاوزة منه مليم وأنت عارفة نشوفية دماغها فالمواضيع اللي زي دي فقالت سیرین معترضة:
- ایوا بس ده حقها فتنهدت مجيدة قائلة:
- بالله عليكي ياسيرين يابنتي أنا تعبانة وخلاص ماعدتش فيا نفس أجادل، أنا داخله أنام تصبحي على خير هزت سیرین رأسها بأسف وقبلت يد أمها وقالت بأسف عارم:
- حقك عليا ياست الكل ربتت مجيدة على كتفها وقالت:
- ربنا يهدي سركوا وانصرفت إلى غرفتها وقامت سيرين لتجه إلى غرفتها التي احتلها صغارها الأربعة لتجد سالي تساعدهم على خلع ملابسهم وقد أعدت لهم الشطائر الشهية التي يتناول بعضها ابنها الأصغر بنهم أثناء تبديله لملابسه فضحكت الأختان لمرآه واقتربت سيرين منها واحتضنتها قائلة:
- ربنا يخليكي ليا فربنت سالي على ظهر أختها:
- ويخليكوا لیا

 

تاااابع ◄