حلمى فى صفيحة قمامة الجزء 5

 

قمت من الفراش فى التاسعة صباحاً-رغم- إنى مستيقظ فى السادسة..

لكن حالة مفزعة من الإحباط سيطرت عليّ..لدرجة جعلت -مجرد-مغادرة الفراش عمل بطولي..جهد يستحق الثناء و التقدير!

لن تحاول أمى إيقاظى-فقد إعتادت-على فترات نومى التى تشبه الغيبوبة..من إرهاق و ضغط العمل الذى بدأت أشتاق إليه!

غريباً أمر الإنسان..حتى أمس كنت أشتهى بعض الراحة و الفراغ-لكننى-اليوم و قد نلت مبتغاى أخيراً أكاد أجن!

أضاءت نور الغرفة..و درت فى الغرفة دورتين !..قذفت الكرة المطاطية نحو الحائط لألتقتطها مجدداً مرات لا أعرف عددها..ثم نظرت للساعة ..تباً!

بالكاد مرت نصف ساعة..

عندما خطر لى أن أقضى بعض الوقت بالمذاكرة..

فتحت أحد كتب الجراحة و بعد قرأة سطرين ..سألت نفسى و ما الفائدة؟..ما فائدة المذاكرة؟!..و انا مهدد بإنتهاء مسيرتى المهنية و هى مازالت فى بدايتها!

واسيت نفسى ببيت شعر لإليليا أبو ماضى يقول

كن بلسما ان صار دهرك ارقما وحلاوة ان صار غيرك علقما

فكرت بتدوين البيت بخط النسخ .. من الجيد أن أدوات الرسم هنا و لن أحتاج للخروج من الغرفة..

جلست لأكتبه بضمير غير مستريح..مع شعور مزعج بأننى نسيت شيئاً مهماً-لا أدرى كنهه بالضبط-..

كن بلسماً كقريب الأخت"سوسن"!

ابتسمت لنفسى بسخرية و أنا أخط البيت و بذهنى يطوف كلام"سوسن"الممرضة،و صورة "فاطمة"الشاحبة منتفخة العينين!

كان من المفترض أن اذهب اليوم لإستلام نتيجة التحليل..لكننى لم أعد راغباً فى معرفة نتيجته-و هى معروفه سلفاً-كل ما هنالك أنها ستقع عبئاًعلى ضميرى..سيكون من الواجب إخبار الصبية و أمها بالخبر الأسود..بينما لا يمكننى العودة إلى هناك تحت أى ظرف!

لإننى-ببساطة- لا أريد أن أٌقتل على يد"بيجو"و اصدقائه الأوغاد..

لكنك ستموت فى الحالتين..لأنك مريض بالسرطان!

.. همس الصوت فى أذنى فانتابتنى رعدة مفاجئة..تباً لك يا"سوسن"!

لقد وضعت أصابعك داخل الجرح المفتوح..لم أكن بحاجة لكلماتك التى أسقطت القلعة المتقنة التى بنيتها من أوراق اللعب..

ليتعرى ما كنت أحاول أخفاه حتى عن نفسى!

ربما كنت قليل الخبرة..لكننى لست غبياً..و أدرك بالضبط معنى أن أفقد اكثر من سته و عشرين كيلو جرام من وزنى -دون سبب-إنه السرطان بالتأكيد!..سرطان الدم  على الأغلب..

كنت أرجح أن يكون البنكرياس ..لكن مادام تحليل السكرى بالدم سلبي..فيمكننا إستبعاده مؤقتاً..

ليتنى أكملت الفحص المعملي حين أجبرنى د"نعمان"على الذهاب إلى معمل المستشفى فى ذلك اليوم !

رن جرس الهاتف فى الصالة..فلم أخرج للرد عليه..ربما كان الطالب أحد مندوبى الشركات يحاول تسويق منتجات شركته على الهاتف كالعادة..عاد يرن فى إلحاح دون مجيب!..

**********

تواصل رنين الهاتف..كأنه لا يوجد أحداً بالمنزل ليرد عليه!

ماما!

خفق قلبى فى هلع،و قد وقع فى ظنى أنه قد أصابها مكروه.. جريت لأبحث عنها فى حجرتها..عثرت قدمى بالتسريحة فى الغرفة المظلمة..قبل أن أضيئ مصباح النيون الذى ترقرق ليضئ الغرفة الخالية!

 السرير مرتب..و الغرفة منسقة-كالعادة-بعدها بحثت عنها فى المطبخ..ثم طرقت باب الحمام المظلم..ليست بالداخل..لكننى فتحت الباب على سبيل التأكد،و أضئت مصباحه الصغير .. 

ربما ذهبت لشراء الخضروات من السوق القريب؟

اليوم  الخامس عشر من الشهر !..لقد نسيت !

أنه موعد صرف معاش أبى ..

يبدو أنه ذهبت لتصرفه ،و لم تحاول إخبارى مظنة إننى نائم!

أخيراً هدأ قلبى المتواثب و انقطع رنين الهاتف فى نفس اللحظة!

ساد سكون يثير الضيق و الكآبة فى النفس..جعلنى أتسائل فى أسى ..كيف تمر الأوقات على أمى و هى وحيدة هكذا؟..حتى حين أعود للمنزل-نادراً-..أقضى جل وقتى بالنوم!

إن هذا البيت الكئيب بحاجة لطفل يبعث الحياة فى أرجائه..و أزداد شعورى بالكآبة..هذا إن عشت حتى أنجب هذا الطفل..  

  أحنُّ إلى

 خبز أمي

       وقهوة أُمي   

       لمسة أُمي..

وتكبر فيَّ الطفولةُ

  يوماً على صدر يومِ

  وأعشَقُ عمرِي لأني

    إذا مُتُّ ,

 أخجل من دمع أُمي !

                                طافت أبيات الشاعر"محمود درويش"برأسى كترنيمة حزينة..جعلتنى على وشك البكاء!

رباه..أمد فى عمري حتى لا تعانى أمى هذا الوجع..

مازلت صغيراً على الموت!

******

فى الصباح التالى قابلت"نادين"فى المستشفى..و ما أن رأتنى حتى صاحت بدهشة:

- "مجد"!..أنت رجعت الشغل أمتى؟

قلت مبتسماً بإبتهاج لعودتى للمستشفى:

- طب قولي صباح الخير الأول!..رجعت النهارده الصبح..رغم إن التحقيق لسه مخلصش!

-  صباح الخير الأول ..قالتها بعجلة قبل أن تسأل:

- د"مصطفى"لغى قرار وقفك؟!

- متهيئ لى د"مصطفى"ده لو يقدر يشنقنى مش هيتردد!..لأ يا ستى د"محمد حربى"هو اللى أتصل و زعق معايا..قالى أنت ما تجيش المستشفى إمبارح ليه يا ولد؟..  أنت بتستعبط؟!..قلتله د"مصطفى"وقفنى لحد ما التحقيق ما يخلص..طلع ما يعرفش حاجه عن الموضوع..بس قال لى تعالى و أنا هاتصرف مع د"مصطفى"!..و الله  خايف بدل ما د"حربى"يقنع د"مصطفى"يرجعنى الشغل..التانى يقنعه يرفدنى!

- لأ..إن شاء الله خير..ما تقلقش!

-  صحيح يا"نادين"!..هوا فين تليفونك؟باتصل بيكى عليه ما بترديش!سألت فى عجب،فأجابت:

- تليفونى ضايع فى المستشفى بقاله يومين..دورت عليه فى كل حته ملقتهوش!قالتها"نادين"قبل أن تضيف مازحة:

- الظاهر إنى نسيته فى بطن"بدرية"!

سألتها بدهشة :

- و أنت أيه علاقتك بالولادة؟!..أنتى مش بتتمرنى جراحه عامه؟

ردت بسرعة:

- لأ..ما هوا انا قولت أدى للنسا و التوليد فرصه تانيه.بس شكل الجراحه ورايا ورايا.. الدكتور و هو بيولدها فتح لها المثانة..فاضطر يخيطها و أنا كنت معاه!

 وضعت يداى فى جيوب معطفى..وقلت مازحاً:

- يعنى زميلنا د"هشام" من أسبوع سايب الراجل ينزف لحد ما دمه أصفى..و دكتور النسا فتح مثانة الست،و هو بيولدها..و أنتى ناسيه موبايلك فى بطنها ..و عادى!..أنا عشان سبت المريض دقايق رجعت..لقيت نفسى متحول للتحقيق!

ردت ضاحكة:

- المفروض كانوا يدوك جايزة الدوله التقديرية!

قلت مبتسماً:

- شوفتى الظلم و النبى!ثم أضفت ضاحكاً:

-عموماً لو كنتى نسيتى الموبايل فبطن المريضة فعلاً مش فأى حته تانيه.. فالحسنه الوحيده إنك هتلاقيه!..

"أيه اللى جاب البنى آدم ده هنا؟!"هتف د"مصطفى" فى إستنكار-حين رأنى-رميته بنظرة مغتاظة..و تنهدت فى ضيق..فى حين أجابت"نادين"بسرعة:

- د"حربى"أتصل بيه و قال له........

قاطعها و هو يحدجنى بنظرة نارية:

- ماشى ماشى..مش مهم!

و أضاف ساخراً:

- أهى فرصه كويسه يودّع زمايله..إحتمال ما يشوفهمش تانى!

قالها و سار مبتعداً..و معطفه الأبيض يتطاير حول كرشه!..بينما"نادين"تتسأل بعجب"

- ماله ده؟!

********

"د"محمد حربى"جه؟!"سألت أحدى الممرضات التى أجابت فى ملل:

- الساعه بقت عشره..مادام مجاش لحد دلوقت..يبقى مش جي!

نظرت لساعتى بضيق..إنها العاشرة بالفعل!..

ما دام لا يريدنى فى أمراً هام -كما قال-فلماذا طلب إلي الحضور فى موعد الدوام الصباحى؟!

لا بأس..رب ضارة نافعة..مادمت هنا و لا أعمل..يمكننى الذهاب للمعمل إجراء بعض التحاليل!

طويت معطفى و وضعته بالحقيبة..و ذهبت إلى المعمل الذى أحتشد المرضى أمامه فى طابور طويل غير منتظم..

أخيراً وجدت مكاناَ لأقف فيه..عندما دفعنى أحدهم فى كتفى من الخلف..صائحاً:

- أنتا رايح فين؟!..دا دورى!

ألتفت لأتشاجر مع الواقف خلفى ..فوجدت كهل أربعيني يضع يده  على وجنته اليسرى المتورمة..فقلت بأدب:

- متأسف..حضرتك أخر الطابور..و أنا وراك؟

سأل الرجل ساخطاً:

- أخر الطابور أيه؟!..أنا أول واحد فى طابور الأشنان!

نظرت مضيقاً عينى-ليتنى أحضرت النظارة- للافتة المعلقة"عيادة أسنان"..لقد كنت أظنها دورة مياه!

- أمال فين طابور المعمل يا حج؟!

أشار بيده نحو طابور أغرب  من الذى نقف فيه من حيث الشكل و الكثافة..يلتحم مع طابور عيادة المسالك البولية..و بعده هذا الطابور كعجين واحد ملتصق..و صاح بغضب مبعثه الألم الذى يشعر به:

- هناك..طابور المعمل..هناك!

تركته مفكراً فى كم الإحباط الذى سيصاب به..حين يرفض الطبيب خلع ضرسه ،لأنه متورم..و بحاجة للعلاج بمضاد حيوى قبل الخلع!

- لو سمحت ؟..ده طابور المعمل؟..مسالك؟!..أسف!

******

وقفت فى طابور المعمل الذى دخلته بمعجزة،قرابة الساعتين..كل دقيقة أو دقيقتين يأتى من يدعى أن دوره أمامى أو أمام واحد أخر...ليأكد الجميع فى حماس..إنه دوره فهو حاجز من ساعة..من ساعتين.. من أول أمس!

..الخلاصة أكتشفت  أنه لا أمل لى فى الوصول إلى ذلك المحراب المقدس..

لكننى ظللت واقفاً على سبيل تزجية الوقت!

"بس يا غجر!..كله يقف فى دوره و هو ساكت"ألتفت ورائى لأرى من ذلك الوغد الذى يسب الواقفين دون تمييز..فوجدت رجلاً يقف أمام باب عيادة المسالك القريبة من مكانى فى ذيل طابور المعمل 

- الصوت يا بهايم ..الدكتور جوا مش عارف يشتغل!قالها الوغد و هو يخبط على الحائط بخشبة مستطيلة كالمسطرة،تشبه عصا أستاذ"حبشى"ناظر مدرستى الإبتدائية..

صحت -من موقعى-مستنكراً:

- و أنت بتزعق ليه يا بنى آدم أنت؟!..ما تخلى عندك شوية ذوق..و تعامل الناس بإحترام!

زعق ذاك الشخص المجهول -أظنه ممرض-بأعلى صوته:

- الإحترام ما ينفعش مع الأشكال اللى شبهكوا!..و بعدين واقف بتزعق مكانك ليه؟..ما تيجي كدا توريني نفسك!

الأشكال اللى شبهنا!

ذهبت إليه لأريه نفسى-كما قال-قلت بغضب:

- أدينى جيتلك أهه..هتعمل أيه؟..هتضربنى؟!

ربت رجل مسن على كتفى مهدئاً:

- معلش يا ابنى.. حقك عليا.. ما هو معذور برضه..أديك شايف الزحمة و الخنقة اللى أحنا فيها..شكلك أول مره يجي مستشفى حكومه!

..أنا عايش هنا يا حج!كدت أن أقولها له معترضاً..حين إنبرى مدافع أخر..قال لى لائماً:

- و بعدين أنت محموق عليهم ليه؟!..مهما غجر فعلاً..و ما ينفعش معاهم الذوق!

ابتسم غريمى فى سماجة،و هو يضرب يده بالعصا..حتى توقعت أن ييقول لى آمراً:

- أفتح أيدك..هاتضرب عصايتين !

 لكنه قال بسخرية:

- أهوا الراجل الطيب قالك أهه..روح شوف بقى كنت واقف فين!

نظرت إلى حيث كنت واقفاً..و قد ألتحم الناس بحيث لم يعد لى مكاناً بينهم..و قررت ألا أضيع المزيد من الوقت،فى محاولات لن يكتب لها االنجاح غالباً..

سامحك الله يا د"محمد"!

أنسحبت خجلاً..و قد ضايقنى أن الوغد لم يشك و لا خطر بباله أننى طبيب..ليتنى أحضرت النظارة!

ثم من هؤلاء الناس غريبى الأطوار ؟!..لماذا وقفوا مع من يهينهم ضدى..بينما كان كل ذنبى إننى حاولت الدفاع عنهم..أصبحت أنا المخطئ؟!

و بينما كنت أفكر فيما سأفعل الآن وجدت د"محمد حربى"يتقدم مجموعة من الأطباء الشبان-لا أدرى-إلى أين..سعيت خلفهم بسرعة..منادياً:

- د"حربى"لو سمحت !

ألتفت إليه متفاجئاً و وقف مكانه..سأل حين بلغته:

- ايه ده؟"مجد"؟!..بتعمل أيه فى الcorridor؟

********

قلت بدهشة:

-حضرتك أتصلت بيا امبارح..و قولتلي أرجع شغلك!

رد سائلاً بإستغراب مماثل :

- طب و ما رجعتش شغلك ليه؟!

قلت فى إحراج:

- انا مش عارف المفروض أشتغل فين دلوقت يا دكتور..هارجع قسم الحروق،ولا هافضل فى الغسيل الكلوى!

رد فى إستهجان:

- ده كلام!..ما رحتش وحدة الغسيل ليه؟!

- حضرتك..أنا كنت وردية ليل..و حضرتك قولتلي أجي تمانيه الصبح..فتصورت إن حضرتك هتنقلنى!

ردد فى إستغرب:

- أنا قلت لك تعالى الصبح!..أيوا أيوا..أفتكرت..طب ما روحتش عالحروق ليه؟

- روحت يا دكتور..لقيت دكتورة جديدة أشتغلت بدالي مع د"طارق".

حك ذقنه الحليق مفكراً..ثم قال:

- لا ..دى تلاقيها "عبير"خطيبته بتزوره!

قلت بعجب:

- بس د"طارق"مش خاطب!

نظر لى بغضب :

- مش خاطب أزاى يابنى!..لأ دا خاطب من خمس شهور..

ثم إنبسطت أساريره فجأة .. قال كأنه يحدث نفسه:

- لأ..دى"عبير"اللى مخطوبة ل"تامر"اللى بيشتغل فى المستشفى التانيه باين!

يا خبر أسود!

من دون كل أطباء المستشفى.. لا يتصدى لحل مشكلتى سوى هذا الرجل فاقد الذاكرة..الذى تجاوز الستين!

مسحت على وجهى فى حنق..قلت :

- مش موضوعنا يا دكتور !..دلوقت حضرتك أنا هاروح فين؟..حضرتك كلمت د"مصطفى"؟!

صمت محتاراً..كما توقعت لم يكلمه..

قلت بإحباط:

- طب يا دكتور شكراً!

- أستنى بس ..أنتا رايح فبن؟..سأل مدارياً إحراجه..فقلت محاولاً إخفاء ضيقى:

- هاستنى شويه ممكن أعرف أيه وضعى بالظبط..على مالضهر يدن بعدها هاروح النيابه الأدارية..عندى تحقيق الساعه أتنين.

نظر فى ساعته..قال:

-الساعه لسه أتناشر و نص..يعنى فاضل حوالى نص ساعه*..

صمت يستجمع أفكاره..فقلت لإنقذه من حيرته:

- ممكن تسجل نمرة تليفوني..لو حضرتك عرفت أيه المطلوب منى بالظبط..يا ريت تبلغنى فى البيت..أكون شاكر لحضرتك جداً!

تنفس الصعداء مبتهجاً..قال فى سرور:

- أكيد..خد أنتا كمان نمرة تلفوني..عشان لو عايز...

بتر عبارته بقلق حين لاحظ نظرتى المستغربة..قلت بدهشة :

- بس أنا معايا النمره..حضرتك إديتهالي !

- آه..مانا فاكر إنى قولتهالك قبل كده..بس أفتكرتك نسيتها..أو ضاعت منك!..مش يجوز؟

أصابنى تصريحه بالصدمة..فقد نسى أنه أعطانى رقم هاتفه بالأمس فقط -حين أتصل بمنزلى-..لكننى قلت بأسف-على حاله-:

- آه ..طبعاً يجوز!

******

رن هاتفى المحمول ..و أضأت شاشته برقم"نادين"..رددت بلهفة-حتى إنى نسيت توصيل السماعة-يبدو أن من عثر على هاتفها  يتصل ليعيده..قلت له مرحباً :

- السلام عليكم

ففوجئت بصوتها الحبيب يرد:

- و عليكم السلام!

سألتها بدهشة:

- رجعتى التليفون أزاى؟!

- "سابرينا"الممرضه لقيته،و رجعتهولى!

قلت مصححاً:

-"صابرين"بالصاد يا دكتورة!

ردت معاندة:

- بس هى اسمها"سابرينا".. مامتها مسميها كده..أصل مامتها روسيه!

- و ده من أيه على كده؟!..مستشفى كفر البلاص..بقى فيها"سابرينا"!..يالا ..ما علينا!..المهم أنتى عامله أيه؟و إزيي ماما و بابا و"عمرو"؟

ردت بسرعة:

- أحنا كويسين الحمد لله..بس أنتا طمنى إيه أخبار التحقيق؟

قلت بقلق:

- ربنا يستر..الموضوع طلع ماليان عك..و شكل العبد لله الفقير،المعترف بالعجز و التقصير،اللى هيشيل الليله كلها!

سألتنى بقلق:

- ليه؟..هوا أيه اللى حصل؟!

قلت بتنهيدة متعبة:

- فاكره الدوا اللى كان بقاله أسبوعين ناقص من وحدة الغسيل؟

- أيوا ماله؟

- طلع مش ناقص و لا حاجه!..و بيتصرف للمرضى-على الورق -طبعاً..و أنا زى الأهبل و لا دريان بحاجه!

سألت"نادين":

- بس أنتا لسه منقول جديد..و ملكش دعوى بالموضوع ده!

- عارف بس..حاسس إن لسه فيه مفاجآت تانيه..شكل فيه توريطه..combine معمول ضدى..لسه مش واضح بالظبط!

- طيب و د"حربى"عمل أيه مع د"مصطفى"؟

- لأ معملش!..لما قبلته صدفه ..طلع ناسي الموضوع كله..مش متأكد إن كان فاكرني أنا شخصياً ،و لا لأ!..لدرجة إنى توقعته يقولّي ..أنت مين!..أو أطلع بره يا ولد؟!   

قالت"نادين"فى إستهجان:

- أنا مش عارفه بس واحد زي د"صاوى"ده ..عدى سن المعاش..أيه اللى خلى اللجنه تمدله خمس سنين كمان؟!..دا Alzheimer مدمره!

و رغم أن هذا كان رأيي بالحرف..فقد شعرت بالإستياء من كلماتها التى بدت نوعاً من الجحود..قلت مغموماً:

 - أكيد لما مدّواله ماكنش كده!

- المهم إن د"طارق"مباقاش محتاج حد يسعده..بعتوا له دكتورة جديده ..و ما ينفعش أروح لدكتور"مصطفى"أسأله ..خاصة إنه هو اللى وقفنى عن العمل..و متهمنى بإنى حاولت أضربه يوم الواقعه!

سألت"نادين":

- خلاص كده..هتقعد فالبيت على مالتحقيق ما يخلص؟

- الأمر لله ..هاعمل أيه؟..بس أنتى أدعى تعدي على خير!

 


عش الدبابير!


قصص اخرى

"ايه مالك بتبصلي كده ليه؟!"سألت"نادين"بإستغراب..عندما لاحظت إننى أراقبها مبتسماً -و هى تأكل-قلت بمرح:

- مش قادر أصدق نفسى إنى قاعد بتغدى معاكى!..لأ و هاشوفك كل يوم..انتى حلوه أوى النهارده ..مش عارف ليه بشوفك أحلى بالنهار!

ردت ضاحكة:

- عشان باكون لسه صاحيه من النوم fresh..لو شوفتني بعد كام حالة ولاده إحتمال نتطلق! 

- أنتا بقى اللى كل ما بشوفك باتصدم ..لما بنتكلم فى التليفون بتخيلك دبدوب زي ما كنت الأول ..و بنسى خسيت قد أيه..لحد ما أشوفك!

قلت بعجب:

-أنتى أيه يا بنتى!..حاولى تستمتعى باللحظة..

- والله مانا عارف أشكر دكتور"نعمان"أزاى عشان رجعنى الشغل..خاصة إنه رجعنى عيادة الباطنة...كده أحسن ..أنا أساساً مكنتش حابب أروح قسم الحروق و أقعد بينهم زي العذول!..

سألت"نادين"بإستغراب:

- قصدك على مين؟!..د"طارق"و "مى"!..ده زمانه معقدها فى عيشتها.

اسمها "مى"!..أسم يليق بصاحبته فعلاً..قلت مبتسماً:

- أو هى فكت عٌقده..تصورى اللى كنت بجر الكلمه من بقو ..رحت لقيته قاعد يرغى ..واكل ودان البنت!

ردت"نادين"ضاحكة:

- لأ وهى ودانها تستاهل الأكل فعلاً!

- فعلاً!

-أفندم!سألت"نادين"محتدة..فأجبت محاولاً أستدراك خطئي المقصود:

- قصدى أسألك ..أصلي ما خدتش بالى هى محجبة و لا لأ!

ردت بغيظ:

-لا والله!..يعنى ماخدتش بالك من الشعر الحرير و العيون العسلية؟!

قلت ضاحكاً:

- لا صغير أنا..مباخدش بالى من الحاجات دى!

ردت بضيق:

- ماشى يا نونو!

قلت ضاحكا:

- الله!..مش انتى إللى قولتي؟!..عموماً ما تزعليش..لو الfemales إللى فى المستشفى كلهم وقفوا بالبكيني فى الإستقبال..مش فارقه..انا اساساً بشوف بالعافيه!

و ابتسمت مضيفاً بسخرية

- ده إذا افترضنا طبعاً إن دولfemales أصلاً!

قالت"نادين"مغتاظة:

- so cute baby..هى الحكاية وصلت للبكيني كمان..دا أنتا حالتك صعبه خالص!

- آه و الله..ألحقنى و أجوزني قبل ما أدور على حل شعرى و أعملكوا فضيحه!

قالت و قد زادتها حمرة الغيرة جمالاً- من قال أن قال أن حمرة الخجل أجمل الألوان-لم ير محبوبتى حين تغار و تغضب!

- على فكره ما بحبش الهزار ده!

آه..كم أهوى غيرتك!

دائما تشعريني بأننى مرغوب..بينما لا أعتقد أن هناك أنثى تتحلى ببعض العقل-سواك- تقبل ترتبط بى..أحيانا أشك في أنك مجنونة لأنك قبلت بالخطوبة!

قطع افكارى صوت انثوى يصيح بإثارة و إنفعال:

- ألحقوا يا جماعه!..دكتورة"مريهان"جت المستشفى راكبه عربيه مرسيدس!

****

وقفت مع"نادين" أراقب "مريهان"-التى بدت كسيدة أعمال - بتيرها الكحلى الأنيق و هى منهمكة فى إحتضان و تقبيل الطبيبات اللواتى كن يهنئنها بالمرسيدس السوداء-الشبكة-التى أهداها لها الطبيب الستينى الشهير"خيرت صفوان"صاحب مستشفى و معامل تحليل "الصفوة"..الذى جلس ينتظرها بالسيارة حتى تنتهى من توديع زميلاتها-كما قالت-أو التفاخر عليهن-فيما أظن-بينما تردد تعيسات الخط التهانى و التبريكات!

- ألف مبروك يا"مريهان.قالتها"نادين"و هى تحتضن الأخيرة و تقبلها من خديها

- الله يبارك فيك يا"دودو"عقبال فرحك..سمعت إنك مخطوبة!

عقدت ذراعاي متحدياً،و إبتسمت لها فى سماجة..قلت مؤكداً:

-أيوا.. مخطوبه للشماعه اللى واقفه جنبك!..عموماً مبروك يا دكتورة أنتى تستهلى كل خير!..متأسف مش هاقدر أسلم عليكى عشان لسه عامل check up لمريض عنده hemorrhoids..و نسيت أغسل أيدى!

نظرت لى "نادين"بدهشة..بينما أرتسمت على وجه"مريهان" الوسيم أعتى علامات الإشمئزاز..و قالت فى غيظ:

- لأ مانا مكنتش هاسلم عليك أصلاً!

جاوبتها بابتسامة مستفزة

هل تشمئزين من البواسير يا حلوتى!

أدهشني كيف لم ألاحظ كم هى فاتنة إلا الآن..كأنما مكياجها القديم-أيام الكحرته-كان يخفى جمالها..على عكس اطلاتها الناعمة الأنيقة التى لابد أن تكون كلفتها مرتب عشروميت طبيب من امثالى!

"وقعت واقفة"كما قال المثل ..أو كما تظن نفسها ! فقد كنت أرى الفخ الذى غفلت هى عنه .. تظن العجوز المغرم بها لقمة سائغة..و نسيت أنه أنجب ثلاثة ذئاب حذرة ..د"منذر"و د"مازن"ود"محمود".. لن يسمحوا لها بسرقة أبيهم.

خاصة د"منذر"الأبن الأكبر  لدكتور"صفوان" الذى بنى ذلك الصرح مع أبيه..و دعونا لا ننسى دكتورة"دينا"ام أبيها و أخوتها الثلاثة!

أعلم يقيناً أنها ستخرج من جنتهم خاوية الوفاض..حتى أن الموقف ألهمنى مطلع قصيدة شعرية..تقول:

ظنت بأن طريقها إلى العلا مفروش بالأزهار

و قد قرأت على جبينها للغيب أسرار

و أنها عن قريب ستغدو اسطر فى جريدة الأخبار

أو ضيفة فى برنامج خلف الأسوار! 

أعتقد أن الوزن مكسور فى البيت الثانى ..لكن لا بأس.. لا أدرى ما سر غرام الأطباء بنظم الشعر الردئ- بإستثناء- طبيب الشعراء د"إبراهيم ناجى"و د"أحمد خالد توفيق"طبعاً..لكن عامة الأطباء يقرضون شعراً فى غاية السوء!

"هتوحشوني اوى يا بنات"قالتها"مريهان"و قبلاتها الطائشة تطير فى الهواء حولنا..قبل أن تضيف بعجلة:

- مضطره اسيبكم و أمشى..عشان"خيرت" مستنيني فى العربية..

هذا هو طموحها من البداية..رجل ثرى ينتظرها فى سيارة فارهة..

ليس طبيب بائس يعمل فى مستشفى حكومى..

حتى و إن كان نائب المدير!

راقبت إنصرافها متسائلاً..هل علم د"مصطفى"كارنتينا بالخبر؟!

 مستعداً لأدفع نصف عمرى-فقط- لأرى تعابير وجهه الآن!

- مسكين صعبان عليا أوى!

قالتها"نادين"..فالتفت إليها و،سألت مندهشاً:

- مين ده اللى صعبان عليكى؟!

ردت بدهشه:

- دكتور"أحمد"طبعاً!..أنتا متعرفش إن هما كانوا فى حكم المخطوبين؟!

 يا خبر أسود!

 يبدو أن هذه الفتاة لم تكن تضيع وقتها !..

-"أحمد"مين؟.. "وهدان"و لا"عبد السلام"؟!سألت مستنكراً..فأجابت:

-لأ.."أحمد شاكر"!

*******

"انتا المره إللى فاتت قولت إنك قبل ما بتدى المريض"٠٠٠٠٠٠٠"لازم الأول تحسب الجرعه حسب وزنه و عمره و حالته الصحيه..ده إللى المفروض يتعمل.. و لا ده إللى بتعمله فعلاً"سأل المحقق..فأجبت بثبات:

- ده إللى بعمله عشان هوا إللى مفروض يتعمل.

عاد يسأل:

- يعنى ده إللى عملته مع المريض ليلتها؟

- أكيد.

- طيب ممكن يا دكتور تفسرلى..ايه إللى ممكن يخلى المريض فى حاله زي حالتنا دى يدخل فى حالة تسمم دوائى؟!

قلت بثقة :

- ممكن فى حالتين ..يأما يكون الحديد بيتراكم فى دم المريض نتيجة ان حالة الكلى مش بتسمح بالتخلص منه على طريق البول أو يكون المريض أخد جرعه زيادة  dircate.. عن طريق الحقن الوريدي..أو مع المحلول

سأل المحقق:

- و تعتقد أى حاله من الحالتين حصلت مع المريض بتاعك.

قلت متئنيا:

- أعتقد و لا حاله من الإتنين..لسببين الأولانى إن المريض بنفسه قرر أنه ماخدش أى أدويه من بره المستشفى..و بمراجعة تحليل الدم بتاعه بنلاقيه عنده انيميا ..Plus إنه الدوا ده ماكنش بيتصرف لمرضى الغسيل الكلوى لأنه ناقص من صيدليه المستشفى..حتى إنه ماكملش الكورس المره إللى فاتت 

قاطعنى المحقق:

- و التحليل ده حديث؟

- لا مش حديث..

- و ليه مطلبتش تحليل دم تانى ؟

تنهدت فى تعب:

- حضرتك ماهوا مادام مكملش كورس العلاج بتاعه ،نسبة الحديد فى الدم مش بتتحسن لوحدها..خصوصاً ان الكلى  out of area يعني إنتاج الRed blood cellsمتوقف!

قال المحقق بهدوء:

- يتبقى الاحتمال التانى..إنك تكون أديت المريض جرعه مش محسوبه كويس من الحديد ..عملتله تسمم!

- wait a minute!ليه حضرتك مفترض إن المريض أخد جرعه زياده..ممكن يكون عنده حساسيه من ال medicine ده تحديدا.

قال المحقق باتهام:

- أولاً -لو كلامك صحيح -يبقى معندكش مهنيه خالص..لأنك معملتش للمريض اختبار حساسيه ،و لا طلبت منه تحليل دم..ثانياً لأن الممرضه المرافقه معاك قالت كلام تانى خالص  غير إللى حضرتك بتقوله!

*******

"مجد"انتا فين؟!ممكن ترجع المستشفى  دلوقتي؟

حدثتني "نادين"على الهاتف ،قبل تضيف بصوت تخنقه الدموع:

 - بابا تعبان أوى!

سألت بقلق:

- تعبان عنده أيه؟

قالت من بين دموعها:

- heart attack

- مين معاكى دلوقتى يا"نادين"؟

- ماما معايا..و عمرو جاي فى الطريق.

قلت مهدئاً:

- طيب أهدى ..دقايق و أكون عندكوا.

********

- عامله أيه يا حبيبتى؟..أيوا لسه فى المستشفى مع"نادين"..عمى "سمير"؟

- ..هوا لسه فالعنايه بس الحمد لله حالته مستقره..

- لأ..هطلع من هنا على المستشفى التانيه إن شاء الله..أتعشي و نامى أنتى يا ماما..و متنسيش تخدى الدوا..تصبحى على خير

جلست بجوار"نادين"قائلاً:

- ماما كانت بتطمن على عمى..الحمد لله هوا أحسن كتير.

سألت بشك:

- أمال دكتوره"خلود"منعانى أدخل عنده ليه؟

قلت شارحاً:

- أنتى عارفه ممنوع حد يدخل العنايه غير بتوع العنايه..أحنا هنا لسه بندرس فى سنه أولى!

- هوا ايه اللى حصل خلى عمى تعب بالشكل ده؟!

 فى الإضاءة الخافته أمام حجرة العناية ألتمعت الدموع فى عينيها..قالت بتنهيدة حائرة:

- مش عارفه أيه اللى حصل بالظبط..هما ماما و بابا كان بقى لهم كام يوم بتوشوشوا مع بعض..أعتقد حاجه ليها علاقه بالفلوس اللى بابا دفعها للراجل إللى فى الجيش..عشان يتوسط ل"عمرو"..و سمعتهم مره بيقولوا إن الراجل مطلعش رتبه فى الجيش و لا حاجه..و لا طلع شغال فى الجيش من أصله..يعنى نصب علينا!

- أنا عارفه أنتا هتقول أيه دلوقتى..أكيد هتقول إن بابا ماكنش لازم يعمل كده..و لا يدفع مبلغ لواحد زى ده..

قلت بضيق:

- ماكنتش هاقول حاجه..أنا أساساً مابقتش عارف أيه الصح و أيه الغلط!

سألت بقلق:

- ليه؟..هوا أيه إللى حصل؟!..عملت أيه فى التحقيق النهارده؟ 

قلت بحنق:

-خدت جزا إداري..خصموا مكافأة الشهر ده.."سوسن"هانم قالت إنى أديت المريض حقنتين حديد..واحده فى الوريد..و التانيه فى المحلول!

شهقت"نادين"بعجب:

- و أيه إللى خلاها تقول كده؟!

 ..أو مين إللى خلاها تقول كده!قلت فى سري..و ليس فى بالى إلا د"مصطفى"..

قلت بدهشة ممزوجة بالغيظ:

- إللى هيجننى..إنها كانت عماله تعيط..و تدافع عنى بحراره قدام د"مصطفى"..و بعدين تروح ت....

فجأة برق فى ذهنى خاطراً مخيف جعلنى أبتر عبارتى ..و أصمت مذهولاً..هل يعقل هذا؟!

- أيه مالك؟.. سكت ليه؟!

لم ارد على الفور..نظرت مطولاً لوجهها المليح،ثم خلعت عويناتى الزجاجية ،و وضعتها فى جيبى..كنت -بدون نظارتى- أعمى كدجاجة خاصة فى  الليل ،و مع هذه  الإضاءة الضعيفة..لكننى لم أكن أرغب فى أن أرى أثر الصدمة التى ستخلفها كلماتى على محياها المرهق..

أطرقت ناظراً للارض فى خجل و إرتباك..

- ممكن أكون عملت كده فعلاً

قلت بلهجة تشبه التساؤل ..فردت"نادين"نافية فى حسم:

- لأ..أنا متأكده أنك مش ممكن تغلط غلطه زي دى!

- مش عملت كده فعلاً و نسيت؟..قلت ناظراً إليها -دون أن أراها- و الشك يذبحنى بسكين ثلم:

- "نادين"..أنا بقالى شهرين بتعاطى ترمادول..

كنت أفرك كفاي فى توتر..عندما شعرت بأناملها الباردة كالثلج تمس يدى..فسرت فى جسدى رجفة كأنما أصابنى ماس كهربائي..امسكت بكفها الرقيق  يدى المرتعشة التى اصبحت جلدا على عظم..و ضغطتها برفق ..لم تقل شيئاً..فقط أحاطت كفاي بكفيها ..و سرى دفء مفاجئ بين ايادينا الباردة!

كنت بين يديها كعصفور مهيض الجناح..هوى من السماء فتلقفته على كفيها..

لم تتكلم ..لم تعاتبنى..لكننى شعرت بلمستها الداعمة تقول آلالاف الكلمات و الوعود..

و تزاحمت بداخلى الكلمات..تتسابق و تتصارع..حتى مات اغلبها من التدافع!

- لسه ظهرك بيوجعك؟..سألت"نادين"بحنو..هززت راسى أن نعم..قلت:

- أكتر من الأول..أنتى كان عندك حق..المفروض ابتدى أتعالج..

-أنا جنبك مش هسيبك.

قالتها بشجاعة تحسد عليها-تلك-التى كانت ترتجف خوفاً على أبيها من دقائق ..تجمع أجزائى و تعلن أنها سترمم ما تهدم منى..

أى قوة تلك التى تمتلكها النساء! 

******

"بصى يا دكتورة..مش معنى إنى مابشتغلش فى الجيش..إنى معرفش أخدم..أنا صول فى الأمن المركزى..و ليه حبايب فى الجيش و الداخليه..و الكل يتمنى يخدمنى"قالها ذلك النصاب الذى عرفت ان اسمه"صبري"مخاطباً "نادين"..و ثلاثتنا نجلس على ذات الطاولة فى الكافتريا التى حدد مكانها للإحتياط..قلت بحسم:

- أحنا مستغنيين عن خدمات حضرتك ..و ياريت كلامك يبقى معايا..و ماكش دعوى باالدكتوره !..

- و مين الباشمهندس على كده؟..كابتن"عمر"

- أنا دكتور"مجد"خطيب الدكتوره.

قال ضاحكاً بإستخفاف:

- يعنى ده خطيبك على كده؟!..مكنتش أعرف إنك مخطوبه..أنا أفتكرته الكتكوت الصغير.."عمر"باشا..أهيي..أهيى..

الأحمق يظننى"عمرو"أخيها الأصغر ذا الثامنة عشر عاماً..قلت فى غيظ:

- لو سمحت كلمنى أنا..أحنا عايزينك ترجع الفلوس إللى خدتها و كفايه لحد كده!

- الفلوس أتوزعت خلاص..و كابتن"عمر"هيدخل الحربيه زي ماهوا عايز..و لو عايز يبقى تبع الداخليه..عينيا..لكن الفلوس مش هينفع!

بعد مرور قرابة الربع ساعة ..أدركت أن الرجل يمارس المماطلة التى يجيدها..كان يتحدث بإيقاع رتيب منوم .. حتى أنه لولا التوتر و شدة الأعصاب كنت سأنام من الملل!

عندما خطر لى أن أسجل حديثه على هاتفى-ربما-أستطعت مساومته بهذا التسجيل ليعيد النقود..

عابثت أزرار الهاتف تحت الطاولة..عندما قالت"نادين":

- بابا دلوقت بين الحياه و الموت..بسبب حضرتك..و محتاجين الفلوس علشان نقدر نعالجه.

- بسببى ليه يا دكتوره؟..هوا أنا كنت عملت له حاجه؟!سأل الرجل منفعلاً..قبل أن يلتفت إليَ مستنكراً..مد يده تحت الطاولة، و أخذ الهاتف من يدى قبل أن أعترض..نظر لإعدادات التسجيل التى لم تكتمل..و قال بغضب:

- أنتوا فاكريني عيل صغير بلعب معاكوا!..ثم أضاف هازئاً:

- مش بقولك كتكوت..عيب يا دوك مش على بابا الحركات دى!..و بعدين عيب كده.. دا من أمنك لم تخونه يا دوك!

كنت أغلى غيظاً..لم يبق إلا هذا المرتشى النصاب ليحدثنى عن خيانة الأمانة!

وضع هاتفى على الطاولة أمامه..ثم قال مخاطباً"نادين" بتعال و لهجة آمرة:

- هاتى تليفونك..

- مش معايا تليفون..بقاله يومين ضايع!هتفت "نادين"برعب..بينما سحب الرجل حقيبة يدها المفتوحة التى وضعتها بينهما..أمسكت الحقيبة من يده ..و قلت بغضب:

- قالت لك مش معاها تليفونات.. و بعدين كلامك يبقى معايا أنا..ملكش دعوى بيها ..مفهوم!

قال مداهناً:

- مانت كنت هتغدر يا دكتور!..ممكن الدكتوره تكون عايزه تسجلي هى كمان..طب خلاص خلي الشنطه قدامى و مش هفتحها.

هممت بالإعتراض،لولا ان أزاحت"نادين"الحقيبة ناحيته..و قالت مهدئة:

- خلاص يا"مجد"مش مهم..أستاذ"صبرى"عايز يطمن ..حقه..يا ريت نرجع لموضوعنا..

- و بالمناسبه أنا فكرت فى كلام حضرتك..و أعتقد إن بابا هيفرح أكتر لو "عمرو"أخويا بقى ظابط فى الجيش اكتر من لو أخدنا الفلوس..علشان كده عايزه نكمل الإتفاق!

********

"أيه مالك مدخن ليه؟!"سألت "نادين"حين لاحظت ضيقى،ثم اضافت دون ان تنتظر ردى:

- مضايق علشان الراجل أفتكرك أخويا؟..عادى يا ابنى..انتا فعلاًbaby face..و يمكن دى اكتر حاجه عجبتنى فيك!

قلت بغيظ :

-علشان كده كنتى بتتعاملى كأنى طفل قاعد معاكوا!..أحنا مش كنا متفقين نطالبه بالفلوس بتاعة باباكى؟..رجعتى فى كلامك ليه؟!

قالت بهدوء:

-هوا كده كده مش هيرجع إللى أخده..فكان لازم اعمل كده..علشان ميشكش إنى بسجًل له.

سالت بعجب :

- أنتى سجًلتي له؟!

أخرجت هاتفها- لم يكن ضائعاً-و فتحت الأستديو لتسمعنى التسجيل..فسمعت صوتى يسأل:

-أنتى متأكده إن دى الكافتيريا اللى المفروض نتقابل فيها؟!

- أيوا ..حتى هوا إللى حدد المكان..أهوا جه أهوا.......

"أنتى سجلتي كل حاجه!"قلت منبهراً..قبل أن أضيف سائلاً:

- طب  و هنعمل أيه دلوقت؟..هنساومه على التسجيل و نجبره يرجع الفلوس؟

- لأ..مش هنعرف ناخد معاه حق و لا باطل..علشان كده هنروح للمحامى..عارف د"سلمى"زميلتنا خالها محامى..أتفقنا هتتصل به و تحدد لنا معاد



يتبع


أحدث أقدم

نموذج الاتصال